للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولاسيما ببلادنا التي أغلب سكانها من المسلمين فوسيلة الدين هي الوحدة الوحيدة التي تؤلف بين الشعب والحكومة وهي المشار إليها بقوله تعالى خطاباً لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. وهي التي تؤلف بين أفراد الأمة فتجعلها كالجسم الواحد تشترك في السراء والضراء وفي السعي وراء جلب المنافع ودرء المفاسد وفي المدافعة والمناضلة عن أوطانها عند طروء طارئ يتهددها أو حدوث نائب ينتابها هذه هي الجامعة الدينية والرابطة الحقيقية التي تمتاز عن سواها من الجامعات كالجنسية والوطنية واللغة.

لأن الدين أقوى أساس تشاد عليه دعائم الروابط الاجتماعية بين أفراد النوع البشري مهما تباينت مشاربهم وتناءت أقطارهم وشطت ديارهم واختلفت أغراضهم وتبادلت أهواؤهم وتعددت لغاتهم فرابطة الدين عندهم أعظم مؤثر في النفوس لأنها أحرزت شرفين عظيمين وفضلين جليلين أحدهما - اتصال حبلها بحبل فاطر السماء والأرض والثاني دوامها إلى نهاية الأجل وأما الرابطة الجنسية وإن دامت فهي أضعف من الأولى لأن الإنسان قد يقطع أقاربه ويلحق بالأباعد بواسطة الدين وهذا معلوم واضح كالشمس في رابعة النهار لدى من له أدنى إلمام بعلم تواريخ الأمم وكم في الحوادث من شواهد؟

وأما رابطة الوطن واللغة فهما أضعف من الرابطة الجنسية لأنهما تابعان لها وكثيراً ما نرى من الناس من يبارح أوطانه مهاجراً إلى غير بلاده فيحل ربوعاً لم يعرفها ويشاهد سكاناً لم يألفها ويقيم بها إلى أن يدركه الأجل المحتوم كما نشاهده من الذين يهاجرون إلى بلاد أمريكا فإنهم ذهبوا عشرات من الألوف وما رجع منهم إلى وطنه إلا القليل.

فرابطة الدين متى غرست في القلوب وأينعت ثمارها الجنية على أغصان أدواحها كانت الكهف الذي يؤوى إليه والملاذ الذي يعول عليه والحصن الحصين الذي يلجأ إليه الخائفون عند الدفاع عن أوطانهم والذب عن حياضهم والذود عن أعراضهم وأموالهم هي الوطن هي الحرية هي الإخاء هي المساواة.

وبها أرهب سيدنا معاوية رضي الله عنه قيصر الروم لما كتب إليه يهدده بالحرب أو دفع الجزية حين تشاجره مع سيدنا علي رضي الله عنه فكتب له الجواب إن لم تكف عن طلبك

<<  <  ج: ص:  >  >>