وترجع عن بغيك سلمت الأمر لصاحبي وكنت أول سهم من سهامه يرمي به إليك وحينما وصله الجواب أرعبه وأرهبه وأدرك الحقيقة وفهم السر الذي بين الملمين وتبين له الرشد من الغي.
كيف ينكر فضل الرابطة الدينية وقد كانت السبب الوحيد في الفتوحات الإسلامية وانتشارها في سائر الأنحاء والأرجاء ومن المقرر المسلم أن دين الإسلام لم يدع أصلاً من الفضائل إلا أتى عليه ولا قادة من قواعد النظام الشريف إلا قررها ولا مزية من مكارم الأخلاق إلا دعا لها وحث عليها وأباح لكل أحد أن يتناول من الطيبات ما شاء أكلاً وشرباً ولباساً إلا ما كان ضاراً بنفسه أو بمن يدخل في ولايته أو ما تعدى ضرره إلى غيره.
الإسلام هو الذي جعل الإنسان حراً في أفكاره متى بلغ رشده وأدرك هداه خول للإنسان استقلال العقل في الأمور النظرية وما به صلاح السجايا واستقامة الطبع وإنهاض العزائم هو الذي حمل على المتنفذين حملة الأسد الهصور فبدد فيالقه المتغلبين على النفوس ونسف ما كان لهم من دعائم وأركان في عقائد الأمم وصاح بالعقل صيحة أزعجته من سباته وأفهم الإنسان بأنه لم يخلق ليقاد بالزمام لكنه فطر على أن يهتدي بالعلم فيتخلص من ظلمات ليل الجهل الدامس الحالك ولما كان مفتاح هذه الوسيلة ومصباح هذه الطريقة هو علماء الأمة كان من الواجب المحتم على علماء الإسلام الأطباء النطساء الذين يشخصون الداء والدواء أن يبارحوا أوطانهم وينتشروا في الأرض لبث الدعوة الدينية بين أفراد الأمة ونفخ روح الشريعة في الأجسام الخالية لإحياء الأرواح الخامدة وتحريك النفوس الهامدة يؤلفون بين القلوب ويحذرون من التحزب والتفرق لأنهما في الحقيقة معاول الخراب وينذرون الأمة بسوء عاقبة اختلاف الكلمة وشق عصا الاجتماع ووخامة النتيجة ويبشرون بالفوز والنجاح عند التعاون والتعاضد واتفاق الآراء ويشقون إلى التمسك بعرش الخلافة الإسلامية وحفظ كيان دولة الإسلام والمسلمين ويحرضون الناس على شد أزرها بالمال والرجال ومفاداتها بما عز وهان ويبذل النفس والنفيس في سبيل ترقيها ونجاحها يغادرون أوطانهم ويفارقون أولادهم وخلانهم لنيل هذا المطلب الأسمى الذي جعله الله وظيفة الأنبياء والرسل الذين هم أشرف مخلوقاته وأورثه لعلماء الأمة فمن الواجب على الوارث أن يحفظ ما ورث ويعمل به خوف الضياع ومقت الله تعالى ولو لاقى الشدائد والمصاعب لأن له قدوة بمورثه قال