للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحقائق ومكانة الدين من الرقي]

من استعمل القوة الفكرية في الوسائط الموصلة إلى إدراك حقائق الأشياء لاحت له بوارقها وبدت له أشعة شموسها لا يذهب بك الوهم ولا يغري بك الخيال أن معرفة الحقائق تحصل بمجرد قراءة ألفاظ الكتاب وسرد العبارة من غير تعقل وإمعان ونظر في المقدمات المنتجة للمطلوب.

كل إنسان مستعد لإدراك الحقائق لأن القلب الذي هو محل العلم كالمرآة بالنسبة إلى صور المتلونات تظهر كل فيها على التعاقب فكل قلب بالفطرة الإلهية صالح لإدراك الحقائق.

العقل إذا لم يتحرك من معقول إلى معقول لم يدرك شيئاً من النظريات تلك الحركة هي المسماة بالفكر فكما أن العين الباصرة لا يمكنها إدراك الأشياء إلا عند ظهور النيرات كالشمس والقمر ونحوهما كذلك العقل لا يقدر على إدراك الحقائق إلا إذا أشرقت عليه أنوار التوفيق والهداية.

فخاصية الإنسان هي معرفة الحقائق على الوجه الذي هي عليه بحيث يرتفع على قلبه حجاب الشك والوهم وبكمال هذه الخاصية ونقصانها يفضل بعض أفراد الإنسان على بعض.

الحقائق سر مصون من ضمائر الكون لا يطلع عليه إلا من أفعم قلبه نوراً وامتلأ صدره إيماناً. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

معرفة الحقائق تتوقف على قوة العقل التي هي إحدى القوى الأربع التي إذا اعتدلت في الإنسان كان إنساناً كاملاً وهي قوة العقل وقوة الشجاعة وقوة العفة وقوة العدل فمن اعتدال هذه القوى الأربع تصدر الأخلاق المحمودة ثم أن العقول متفاوتة في فهم الحقائق على حسب استعدادها ومهما بالغ الإنسان في تعاطي الوسائط لا يتأتى له أن يستقصيها علماً بل لا يحوز إلا على المقدار الذي يناسب حاله مما هو من مقدور البشر فأهم شيء للإنسان الإقبال على طلب كشف حقائق الأشياء والإعراض عما يشغل سره من العوارض التي تحول بينه وبين طلبها ومتى انكشفت له تحقق عنده أن سعادة كل أمة تكون برجوعها إلى أصول الدين القويم والأخذ بأحكامه والتصدي لإرشاد العامة بمواعظ تستدعي تطهير القلوب وتهذيب الأخلاق ولم الشعث وجمع الكلمة.

هل يكابر أحد أن صلاح هذه الأمة لا يكون إلا بالتمسك بقواعد الدين؟ هل ينكر أحد أن