للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بم ينهض المسلمون]

إنَّ القلب لينفطر وإنَّ الأحشاء لتتمزق أسفاً وحزناً على المسلمين، حيث أمسوا في حال تنتابهم فيه المصائب من كل جانب، وتحدق بهم الأخطار من كل وجهة وهم الذين سادوا فيما غبر على جميع الأمم ودانت لهم كافة الشعوب، وامتد رواق نفوذهم في عامة أنحاء البسيطة. نعم إن التأثر ليبلغ منا مبلغه لما نراهم وقد قطعوا من أطرافهم، وصارت بلادهم مستعمرات لأعدائهم، وقد عبث الأجنبي بدينهم وأخلاقهم، وقسمتهم أيدي سياسته شيعاً وأحزاباً وهم أقوم أمم الأرض ديناً، وأوثقهم روابط، وأحسنهم أخلاقاً وآداباً.

ليس من مفكر لا يهوله أمر أمة يربو عدد نفوسها على الثلاثماية مليون ضاربين في عامة أقطار الأرض تربطهم روابط قوية دينية وسياسية يراهم والعدو آخذ بخطامهم يجرهم إلى حيث يشأ، ويستعملهم فيما يريد وهم مستسلمون له، ومنقادون إليه وقد سامهم أنواع الخسف وأذاقهم آلام الهوان، استولى على ممالكهم، واستنزف ثروتهم وسلبهم أخلاقهم وآدابهم، وصير أحرارهم عبيداً تباع كما تباع الأنعام.

عجيب من أمة دينها أسمح الأديان، وآدابها أحسن الآداب، وماضيها يفوق ماضي الأمم حضارة ومدنية، وقد أتيح لها من أسباب التقدم ملا تحلم به أمة فضلاً عن أن تناله. عجيب منها أن لا تكون هي القابضة على شؤون الأمم. وبيدها مقاليد أمورهم وأعجب منه أن تكون مقهورة لأعدائها.

يلوح لنا بعد إجهاد الفكر، والاسترسال في البحث أن لا مخلص لهذه الأمة مما وقعت فيه إلا بقيام أفرادها في مشارق الأرض ومغاربها يعلمون على استرجاع حقوقهم المغصوبة ويسعون وراء ما يرقي شؤونهم ويرد إليهم ما أفقدوه من قوة ومنعة.

وأول شيء يتحتم عليهم أمام نهضتها هذه أن يعملوا على ضم الدول والإمارات الإسلامية التي لا سلطة لأجنبي عليها إلى دولة الخلافة العظمى وإدخالها حمى حصنها المنيع على أن يُحفظ لتلك الدول والإمارات استقلالها الإداري وتطلق أيديها في عامة شؤونها الداخلية، وأن يمهدوا الطرق للتعارف مع إخوانهم في أنحاء الكرة الأرضية ويجتهدوا في تحسين الصلات فيما بينهم فإذا تمَّ لهم هذان الأمران (ضم الدول والإمارات إلى دولة الخلافة والتعارف مع عموم المسلمين) فليستبشروا بأنهم خطوا خطوة كبرى في سبيل التقدم. وأثروا أثراً تهتز له أعصاب مضطديهم إذ بذلك يجتمع تحت لواء واحد ما يقرب من مائة

<<  <  ج: ص:  >  >>