للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ولاسيما ما يدرء الخلل في الدين قال ابن جماعة في كشف المعاني عند قوله تعالى: (قل أعوذ برب الناس) المستعاذ به غي هذه ثلاث صفات والمستعاذ منه شيء واحد وهو الوسوسة والمستعاذ به في السورة قبلها صفة واحدة والمستعاذ منه أربعة أشياء لأن المطلوب في سورة الناس سلامة الدين من الوسوسة القادحة فيه والمطلوب في سورة الفلق سلامة النفس والبدن والمال وسلامة الدين أعظم واهم ومضرته أعظم من مضرة الدنيا فموقع الدين من النفوس شديد ولهذا كان تأثيرها للاستخفاف بشأنه أو تحريف بعض حقائقه فوق كل تأثير وانظروا إلى فرعون لما أراد صرف وجوه القوم عن اتباع موسى عليه السلام كيف قدم لهم التخوف منه على تبديل دينهم فقال (إني أخاف أن يبدل دينكم) هذا في دين يفتضح صاحبه لأول كلمة ترمي لإبطاله فما بالكم بدين كشف عن صفاء فطرته كتاب حكيم وخضع لسطوته كل فكر مستقيم.

ثم أوردنا بعد تقرير ما أمرت به الآية من تعلم أحكام الدين قول العضد في خطبة المواقف ناقلاً عن بعض الأئمة (أن المراد من الاختلاف في حديث (اختلاف امتي رحمة) اختلاف هممهم في العلوم فهمة واحد في الفقه وهمة آخر في الكلام كما اختلفت همم أصحاب الحرف ليقوم كل واحد بحرفة فيتم النظام. وعلقنا عليه أن الذي يحمل الحديث على هذا المعنى يقصد التباعد من فهم الأثر على معنى اختلاف الأمة في آرائها ولا يرضيه أن تدخل الرحمة من ناحية اختلاف الآراء ولو في الفروع لأن نصوص الشريعة طافحة بالنهي عن الاختلاف بإطلاق وذوو الاجتهاد مأمورون ببذل الوسع في إزالته والتلاقي في مذهب واحد كما قال الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء) الخ الآية لكنهم إذا فرغوا جهدهم في البحث عن الأدلة وأمعنوا النظر فيها بقصد الوصول إلى ما هو حق ثم أدركهم العجز عن الاتفاق فالعذر قائم وباب العفو مفتوح والعفو عن هذا الاختلاف وعدم مؤاخذتهم عليه لا يقتضي أن في الخلاف رحمة وأنه أصلح من الوفاق وأسعد من تضافر الآراء على مذهب.

تقلت قول القاضي أن في الآية الكريمة إيماء إلى أنه ينبغي أن يكون غرض المتعلم من العلم أن يستقيم ويقيم غيره وتخلصنا منه إلى أن أعظم درجات إنسان وأشرفها أن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>