تجاوزها إلى اللغة الكتابية فصار الذوق العصري يقضي على القارئ باستعمال هذا التحريف ابتغاء مرضاة جلسائه وإيناس سماره فإذا اتفق أن القارئ كان مطبوعاً على الفصاحة أو الثغ لا يقدر على النطق بالسين والزاي فهو لابد أن يخرج الحروف اللثوية من مخارجها الصحيحة وحينئذ ينفر منه سامعه وتستك عنه مسامعه ولاسيما إذا أتى بكلام طويل مشتمل على مثير من تلك الحروف فإنه يعتبر ذلك منه بمنزلة الهراء والهذيان فتأمل شهرة الخطأ الفاشي كيف تقضى على الصواب وتجعله سمجا مستكرهاً وشيناً مستقجاً وإذا أردت أن تتمثل لك حقيقة ذلك فاقرأ على جليسك هذه العبارة (فلان ذو نفوذ وحظ عظيم حيث ثابر على استثمار ثروته وظفر بذهب كثير وحظي بذخيرة ثمينة وهو يلبق في مثوى ذي أثاث لا مثيل له ويلبس أثمن الثياب وقد ذاع أنه ذكي لو ذعى منجذ ذرب اللسان ثبت الجنان، نافذ الذهن، متثبت متيقظ لحوادث الزمان وهو عذب الحديث إذا باحثته تسلتذ مباحثته، وإذا ذاكرته كرته تستعذب مذكراته يثنى عليه محادثه بسلاسة لفظه وكثرة حفظه إذ يأثر مستظرف الأحاديث فينث سمينها ولا يذكر غثها وله من ذريته ثلاثة ذكور أحداث أذكياء مهذبون وثمان إناث ذكيات مثقفات لا يزال ينظر إليهم ويلاحظهم ويؤثرهم بموعظه وهم يلبثون في ذراه المذكور والكل يحتذون حذوه ويمتثلون مثاله ويتأثرون آثاره ويتعظون بوعظه فينفذون ما ينفذ ويذرون ما يذرولا يثنيهم ثان عن ذلك فهم مثال الثبات على الطريقة المثلي والتشبث ياذيال مآثر التهذيب فثناء على الذي هذبهم وثقفهم متخذاً ذلك أعظم ذخر يتاب عليه ثواباً كثيراً إلى غير ذلك من هذه الكلمات لا تكاد تفرغ من حكايتها على الصواب حتى يفاجئك مستعمك بجمل الاستقباه والاستثقال وعبارات المقت والاستهجبان بعد أن ترى على وجهه أشكالاً وألواناً من إمارات التضجر والتبرم وعلائم السآمة والملالة وحينئذ يشبعك تأففاً وإنكاراً ويوسعك ازدراء وتعنيفاً كأنك جئت بفعله مادر أو أتيت بفرية غادر مع أنك لم تجن إلا النطق بالصواب وليس ذنبك إلا التكلم بالعربية الفصحى وإخراج الحروف اللثوية من مخارجها الصحيحة الأصلية وهيهات هيهات أن يعترف معك جليسك باستحسان الصواب فضلاً عن أن يقر بوجوب التزامه والعمل عليه وما أنت له بمقنع ولو أدليت بالألوف المؤلفة من البراهين اليقينية والحجج الدامغة.