وجهز جيشاً شديد البأس وأرسلهم إلى العراق مدداً للمثنى وبلغ الخبر رستم فبعث مهران أميراً على جند وأرسله إلى الحيرة.
فعلم المثنى بذلك وهو بين القادسية وخفان فقصد أرض البويب وكتب إلى الجند الذي أرسله سيدنا عمر مدداً له يخبرهم بذلك. وأمرهم أن يقصدوا أرض البويب أيضاً مما يلي الكوفة حيث يجتمعون فيه فوافوه جميعاً وقد وصل مهران إلى إزائه من وراء الفرات ثم أذن المثنى لمهران أن يعبر بجيشه إليهم على جسر الفرات وعبأ المثنى أصحابه وكان الوقت في رمضان فأمرهم بالإفطار ليقووا على عدوهم.
ثم أن المثنى رتب جنده وكبر ثلاثً وحمل في الرابعة على المشركين حملة أزالهم بها عن موقفهم وأصلاهم من سعير الحرب ما لم يطيقوه، فانهزموا وولوا الأدبار وقتل أميرهم مهران وكانت تلك الوقعة من أشد الوقعات على المشركين قتل فيها نحو مائة ألف وغنم المسلمون ذخائرهم وأموالهم وبلادهم وأسروا منهم كثيراً.
ومن اطلع على حقائق التاريخ وأحاط بما جرى على أيدي الأمة الإسلامية من الفتوحات العظيمة والاستيلاء على كثير من ممالك الأمم وقهر الجبابرة والكاسرة مع قلة عدد المسلمين يومئذ وعدم توفر الآلات الحربية لهم علم أن تمسكهم بالدين ومحافظتهم على إقامة شعائره قد جعل فيهم قوة معنوية أرغموا بها أنوف المشركين وبددوا ببأسها جموع الكافرين.
كان المؤمنون يقاتلون لإعلاء كلمة الله عز وجل وتأييد دينه باعوا أرواحهم وأموالهم في سبيل الله امتثالاً لأمره وتصديقاً بوعده.
وكيف يستطيع الكاتب وصف ثبات قوم اشتاقوا إلى منازلهم في الجنة وهم قد علموا أنها تحت ظلال السيوف.