فيما يقومون به من فتح مدائنه واستعمار أرضه وسلبه استقلاله يعملون عملاً إنسانياً جليلاً لذلك لا يفتئون يتفننون في اختراع الطرق المؤدية إلى هذه النتيجة.
ولذهول الشرقيين عن نوايا الغرب بازائهم وانخداعهم بتلك الزخارف التي يسمونها مدنية وحضارة واستخذائهم لهم لما يرون من رقيهم المادي أصبح بعض السذج منا وبعض من سرى سم الغربيين في نفوسهم يعتقدون أن عمل أوربا إن هو إلا لمحض خير الإنسانية وتمدين الشعوب المتأخرة وتحضيرهم كما يدعون هم أنفسهم.
وكان هذا الاعتقاد مساعداً لأولئك الأعداء على نيل مطامعهم ومن أعظم ما منيت به هذه الأمة الإسلامية حيث استسلمت لعدوها يعيث بكل شيء من آدابها وأخلاقها وهي تظن نفسها أنها مغبوطة على ما نالت من نعمة المدنية والرقي.
أنشئت المدارس الأجنبية في البلاد الإسلامية لأغراض في نفس مؤسسيها تختلف باختلاف لغاتهم وقوميتهم ومذاهبهم ولكن تتفق في وجهة واحدة وهو حل الرابطة الدينية الإسلامية. فالإنكليز والأميركان يقصدون نشر اللغة الإنكليزية والتبشير بالديانة البروستانتية والفرنساويون يعمدون إلى تعميم اللغة الفرنساوية والتبشير بالديانة الكاثوليكية وقسم من الفرنساويين لا دينيون مقصدهم رفع الأديان من الأرض ودعوة الناس لذلك وهكذا كل يسعى لنشر لغته ومذهبه.
ربما يقول بعض البسطاء أن في ذلك مبالغة وأنه إن حصل شيء مما ذكر فبالعرض والمقصد الحقيقي نشر العلم واللغات ومن اطلع على ما ننقله هنا من كتاب (تربية المرأة) تأليف محمد طلعت حرب سهل عليه أن يذعن لما قلناه ويعتقد أنه حقيقة لا مبالغة فيها.
نقل المؤلف عن مجلة العالمين الفرنساوية مقالاً للكاتب الفرنساوي الشهير موسيو أتين لامي قال فيه أن من الواجب على الأمم المسيحية أن تعاكس الإسلام في كل طريق وتحارب أهله بكل سلاح , أن مقاومة الإسلام بالقوة لا يزيده إلا انتشاراً فالواسطة الفعالة لهدم أركان الإسلام وتقويض بنيانه هي تربية بنيه في المدارس المسيحية وإلقاء بذور الشك في نفوسهم من عهد النشأة فتفسد عقائدهم الإسلامية من حيث لا يشعرون وإن لم يتنَصَّر منهم أحد فإنهم يصيرون لا مسلمين ولا مسيحيين مذبذبين بين ذلك. قال وأمثال هؤلاء يكونون بلا ارتياب أضر على الإسلام وبلاده مما إذا اعتنقوا الديانة المسيحية وتظاهروا