الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجوز في حقهم سائر الأعراض البشرية كالأكل والشرب والنوم والجماع وغير ذلك مما لا يؤدي إلى نقص في مراتبهم العلية وذلك لأنهم من البشر فيجوز عليهم من الآفات والتغييرات والآلام والأسقام وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر وهذا كله ليس بنقيضة فيهم لأن الشيء إنما يسمى ناقصاً بالإضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه وقد كتب الله على أهل هذه الدار فيها يحيون وفيها يموتون ومنها يخرجون وخلق جميع البشر بمدرجة الغير فقد مرض سيد الرسل صلى الله عليه وسلم واشتكى وأصابه الحر والقر وأدركه الجوع والعطش ولحقه الغضب والضجر وناله الإعياء والتعب ومسه الضعف والكبر ثم قضى نحبه وتشرف بروحه الرفيق الأعلى وتخلص من دار الامتحان والبلوى وهذه سمات البشر التي لامحيص عنها وذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات ويبين أمرهم ويتم كلمته فيهم وليحقق بامتحانهم بشريتهم ويرتفع الالتباس عن أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم كما ضل بعض الأمم باعتقادهم بأنبيائهم الألوهية. وليكون ابتلاؤهم تسلية لأممهم ووفوراً في أجورهم عند ربهم.
إنَّ هذه الطوارئ والتغييرات المذكورة إنما تختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر ومعاناة بني آدم لمشاكلة الجنس وأما بواطنهم فمنزهة عن ذلك ومعصومة منه متعلقة بالملأ الأعلى والملائكة لأخذهم عنهم وتلقيهم الوحي منهم. (يتبع)