لقمة بعد أخرى وأمراؤهم وخاصتهم ركنوا إلى السكوت في كسر بيوتهم لا يتأمرون بمعروف ولا يتنافسون بفضيلة.
وعليهم للأمة فروض يستغرق أداؤها أعمارهم وهم لا يؤدون منها شيئاً.
وإذا أنفقوا أموالهم فعلى اللهو واللعب والشهوات البهيمية لا يدخل في حسابها شيء يعود بالمنفعة على الأمة والملة.
إذا تذكر الإنسان ما حاق بالمسلمين في هذه السنوات الأخيرة من الرزايا والمصائب ثم رأى أنهم لا يزالون أحزاباً وشيعاً يتنافسون على غاياتهم وشهواتهم ويضحون في سبيل ذلك مصلحة الوطن واستقلاله لا يكاد يصدق أن هذا العالم من نسل أجدادهم العظام الذين كانوا يضحون كل مرتخص وغال من مصالحهم وأموالهم وأرواحهم في سبيل حفظ الدين وسلامة الوطن وذود الأغيار عنه.
أعلنت دول البلقان الحرب على دولة الخلافة الإسلامية ظلماً وعدواناً وهي الدول التي بقيت زمناً طويلاً تحت رعاية الدولة العلية إلى أن نالت استقلالها التام تدريجياً وآخر ذلك كان عقيب إعلان الدستور منذ أربعة أعوام حيث رفعت بلغاريا سيادة الدولة العلية عنها.
كان بين هذه الدول الصغيرة من الاختلاف لشدة تنافسها وتحاسدها ولتغايرها في الجنس واللغة فما زال يتقرب بعضها من بعض بسعي كبارهم وزعمائهم إلى أن عقدت الاتفاق على إضرام نار هذه الحرب الضروس الذين يريدون بها التهام قسم عظيم من أملاكنا.
قلنا لما أعلن الحرب أن اتفاق هذه الدول مع ما قدمناه من وجوه الاختلاف بينهن سيكون أكبر باعث لنا على نبذ كل خلاف وتحزب ونسيان كل عداوة وشحناء والاجتماع يداً واحدة على قهر تلك الذئاب المفترسة.
أليس نحن أحق بالاتفاق منهم؟ أليس ديننا واحداً؟ أليس وطننا واحداً؟ أليس خليفتنا واحداً؟ ألا يقول كتابنا الكريم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ألم يمتن الله علينا في محكم كتابه بقوله: (واذكروا إذ كنتم أعداء فآلف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا).
أعلن الحرب والأمة على مثل اليقين من أن هذه الحرب ستكون رافعة لشأننا مثبتة لعظمتنا لأن هذه الدويلات لا تجمع من الجنود مقدار ما تجمع دولتنا العلية فضلاً عن الصفات المعنوية التي امتاز بها الجندي العثماني في ميدان الكفاح فإنه ممتاز بالشجاعة والنجدة