كان من بعض أفراد يحبون الفضيلة لنفسها ويكرهون الرذيلة كذلك ويستقبحون الفظائع أنى أتت إلا أنه لا شأن لهؤلاء الأفراد في عمل الحكومات. حافظت تلك الدول على الحياد في وقت كان الظن فيه أن يكون النصر في جانب إيطاليا فلما خاب هذا الظن وفسد هذا الأمل وأظهر العثمانيون من البسالة ما لم يدع مجالاً للريب في فشل إيطاليا أخذ بعض الدول بنقض حياده وتشبث في عاصمة السلطنة لعقد الصلح على مالا يرضى الحق والعثمانيين ويساعد إيطاليا سراً على بعض تعدياتها ويتظاهر بالاستعداد للحرب إلى غير ذلك مما يناقض الحياد على خط مستقيم.
تعهدت إيطاليا للدول العظمى في بدء الحرب بأنها تحصر حركاتها الحربية في طرابلس الغرب ظناً منها بأنها قادرة على تدويخ العثمانيين في تلك البقعة وإرغامهم على الرضوخ لمطالبهم والرضاء بجورها.
فلما أراد الله أن لا يصرع الباطل الحق وأن يجعل نصيب المعتدي الفشل والخيبة أخذت تعتدي على سواحلنا فضربت العقبة وسواحل غزة ثم بيروت ثم قلاع الدردنيل ثم احتلت جزر الأرخبيل والدول صامتة لا تطالبها بشيء. مما تعهدت به لها وما تعهدت هي به للدولة العلية.
علمتنا هذه الحرب أن الحق للقوة وأنه لو كان لنا أسطول توازي قوته نصف قوة أسطول إيطاليا لأذقنا تلك الدولة الظالمة أنواع الهوان لأن شجاعة العثمانيين وبسالتهم وكون الحق في جانبهم قوة عظيمة تسد ذلك النقص أما لما كان أسطولنا دون الحاجة نظراً لاتساع مملكتنا وكثرة ثغورنا اضطر أن يبقى ملازماً مكانه وأن لا تنتفع به في الحرب الحاضرة بشيء وأن تبقى ثغورنا خالية من وسائل الدفاع الكافية. ألا يكون في ذلك عبرة لنا يحرك منا الهمم لمد يد المساعدة لإعانة الأسطول فقد تألفت هذه الجمعية منذ أعلن الدستور بسائق الحاجة التامة لإنشاء أسطول ضخم تحمي به تلك المملكة الواسعة الأطراف والثغور العظيمة من هجمات الأعداء وأطماع المستعمرين فلم تصادف من الإقبال على مؤازرتها ما تستحقه.
فكانت هذه الكارثة موقظة لشعورهم محركة لعواطفهم فلا يبعدان يهبوا من هذا السبات ويعلموا أن خير المال ما انفق في هذا السيل وينهضوا لهذا العمل نهضة من يعلم أنه