يساعد على عمل يكون فيه حفظ شرفه واستقلاله ودينه لا من يساعد مشروعاً خيرياً عادياً ولو كان لنا اليوم أسطول تحمي به جزر الأرخبيل لما تجاسرت إيطاليا الباغية على احتلالها بل ولما حدثت نفسها بذلك ولكانت حصرت بطرابلس الغرب كما تعهدت وهي فيه أحقر من أن تظفر بشيء من النصر.
علمتنا هذه الحرب أن العثمانيين على اختلاف عناصرهم ولغاتهم سواء في حب العثمانية والتفاني في الذود عن حياضها وساء فأل أرباب المقاصد السافلة ودعاة الفساد الذين كانوا يصورون العنصرين الكريمين التركي والعربي بصورة العدوين الألدين ولا يفتئون يتحينون الفرص لإلقاء بذور التفرقة فجاءت هذه الحرب مخيبة ظنونهم قاضية على مآربهم فقد رأينا فيها العرب والترك في ساحة الحرب كأنهم عضو واحد يدافعون يداً واحدة عن حكومتهم وبلادهم وشرفهم بلا تفرقة.
فالضباط الأتراك في طرابلس الغرب يعاملون العرب المجاهدين معاملة الأب الرحيم والمجاهدون يحترمون ضباطهم وأمراءهم احترام الابن البار للأب الشفيق وبهذا الاتحاد والاتفاق غلبوا عدوهم وحفظوا شرف دولتهم ودينهم وبرهنوا للعالم أجمع أن ليس بين هذين العنصرين شيء مما يرجف به المرجفون ويتخرص به المفسدون وأن هذين العنصرين للعثمانية كالهيولى والصورة للجسم لا يتصور وجوده إلا بهما.
علمتنا هذه الحرب ما يجب علينا من إحكام الرابطة الجامعة الإسلامية وشد أواصرها بظل صاحب الخلافة العظمى أيده الله فقد رأينا من فوائدها أن قامت مسلمو الهند تطلب من حكومة إنكلترا كف يد إيطاليا عن اعتدائها وقام مجتهدوا إيران وأفتوا بوجوب الجهاد وقام مسلمو تونس نحو حكومة فرنسا بمثل ما قامت به مسلمو الهند نحو إنكلترا وهكذا دوى ذكر هذا الاعتداء الفظيع في جميع أقطار الأرض من أقصاها إلى أقصاها وتجلت عاطفة الدين بأجلى مظاهرها مما اضطر دول أوروبا أن تحجم عن مساعدة الطليانيين حتى وصل الحال إلى أن صرح ناظر خارجية إنكلترا في مجلس نوابها بأنه يجب على إنكلترا مساعدة العثمانيين لما لإنكلترا من المصلحة مع المسلمين ولولا ظهور هذا الارتباط بهذا المظهر الواضح وتأثر المسلمين في جميع الأقطار والأمصار من تعدي الطليان على أملاك خليفتهم لما كان يستبعد أن يتواطأ قسم من دول أوروبا على تضحية هذا القسم العظيم من بلادنا في