بسلاسة قوله الماء الزلال، على أنه هو الذي بين فكيه سيف صارم كما قال الشاعر:
تقلقل بين فكيكَ ابنُ غمدٍ ... صليل غراره الكلم الفصاح
تقطُّ به مفاصل كل قول ... ونت عنه المهندة الصحاح
فقل لي يا ناشدتك الله أي ناطق بالضاد تتمثل له فضائل قومه هذه وضاحة جلية بالسان المبين ثم لا يدفعه ضميره إلى التحلي بآدابها. والتمسك بأهدابها. والاقتباس من محاسنها. جهد المستطيع اللهم إلا إذا كان ميت النفس. فاقد الحس. وهذا لا كلام لنا فيه لأنه ملحق بالجمادات أو العجماوات وإنما كلامنا في هذا المخلوق المكرم الذي يقال له المرء. والرجل. والإنسان. أي ذو المروءة والرجولية والإنسانية وهذا لابدان تدعوه نفسه الناطقة. الحساسة الدراكة. أن يعمل بمقتدية قول جد النبي صلى الله عليه وسلم:
لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الأحساب نتكل
نبنى كما كانت أوائلنا ... تبنى ونفعل مثل ما فعلوا
وحسبك دليلاً على أن اللغة تزيد في العقل، وتثبت المروءة. كونها تدعوا ابنها إلى التأسي بكرام. قومه ورجالات أمته. ليكون عصامياً عظامياً كما قال عامر بن الطفيل:
فما سودتني عامر بن كلالة ... أبي الله أن أسموا بأم ولا أب
ولكنني أحمي حماها وأتقى ... أذاها وأرمى من رماها بمنكب
ومن ذا الذي يحيط علما بجزء صالح من هذه اللغة الكريمة ويشرف على بحور قواميسها الذاخرة. ثم يدعى أنها قليلة المادة لا تفي بالتعبير عن حاجيات هذا الزمن، ولا تكفي لأداء معاني العلوم العصرية ولا يمكن أن يوجد ألفاظها ما يليق اطلاقه على ما لم يذل يتجدد من هذه المخترعات والمكتشفات هكذا أصبح اليوم بعض الناس يتقولون فينسبون إلى هذه اللغة العظيمة تتزهها عنه (الحقائق).
فاللهم غفراً غفراً. يئدون بناتها. ثم يدعون عقمها. ويعمون عن مخدراتها وغانياتها. ثم يصومونها بالقبح. ويصومون عن لحنها الرقيق ونغمتها الرخيمة. ثم يرمونها بالعي والحصر، ويتهمونها بالبكم والخرس، فساء ما تقول وبئس ما يدعون مما لا يمالئهم عليه إلا كل من يهرف بما لا يعرف.
يشدو أحدنا من العلوم العربية شيئاً نزراً يسيراً لا يتجاوز قصائد معدودة وأمثالاً قليلة مع