بعض النوادر الإعرابية ثم يستظهر نتقة من الكلمات العويصة ويحفظ نبذة من القواعد اللغوية ثم يريد أن يظهر بين الملاء بمظهر ثعلب أو ابن السكيت أو غيرهما من أئمة اللغة غير أنه يرى نفسه تتضائل في ميدان أولئك الفرسان ويخشى أن يقال له أخطأت أستك الحفرة أو أطرق كرا أو ليس بعشك فادرجي فتأخذه العزة بالإثم لعجزه عن لحاق فحول رجال العربية ويتميز غيظاً فلا يجد ما يتشفى به لنفسه الكسلى أسهل عليه من الإفتراء على هذه اللغة الكريمة فيتحامل عليها تحاملاً يجعله مضغة في الأفواه، وضحكة بين العقلاء على انه لا يجد ما يلفقه غير زعمه أن لسان الناطقين بالضاد لا يليق بأنباء هذا العصر الممتلئ بالمخترعات الجديدة، والمكتشفات الحديثة، ثم يؤيد هذه الدعوة الواهية بأن لغة العرب تحتاج إلى علوم كثيرة يصعب تحصيلها فيا له من تأييد عاد صاحبه بنقض دعواه وكأنه لم يدر في غلده أن تلك العلوم الكثيرة أوضح برهان على رقي اللغة التي دونت هي لبيان محاسنها، والدلالة على بديع أساليبها الحكيمة، وإرشاد المتكلمين بها على وجوه الصواب ووضع كل قول في موضعه حيث أن لكل مقام مقالاً واللغة الغزيرة المادة التي تشتمل على دقائق المعاني الجمة هي التي تخدم بالعلوم الكثيرة من نحو وصرف ومعاني وبيان وبديع وغير ذلك وها نحن كل يوم نرى أن من تبحر في لغة الضاد وكل طويل الباع في تناول جواهرها ومحرزاً قصب السبق في مضمارها، يشهد لها بعظم الفضل والتميز بين سائر اللغات، ويعترف بالعجز عن بلوغ نهاياتها، هذا الإمام الشافعي وهو الثقة الثبت والحجة في المسائل اللغوية والذي لا ينعقد إجماع بدونه بل كان رجال العلم يتوقفون على رأيه في اللغة بلهو ثائر العلوم التي كان مجلياً في حلبتها وقد صرح رضي الله عنه أن الإحاطة بهذه اللغة العربية مما لا يمكن إلا للأنبياء يريد أن ذلك لا يكون الأمن طريق العناية الإلهية الخاصة بالأنبياء من وحي وإلهام وغيرهما ومن البراهين المحسوسة على هذا أن الكاتب العربي مهما سبق له التوفر على دراسة لغته وصرف الهمة إلى تحصيلها أو مهما بلغ من الحذق والمهارة والإتقان في فن الإنشاء قلماً تسلم كتابتهم من الهفوات والأغلاط اللغوية.
وبهذا يزول العجب مما قد تزل به ألسنة بعض أكابر الكتاب البارعين في الإنشاء ويصدر من فحول أرباب اليراع النابغين في الكتابة نظماً ونثراً وإنما الفاضل المجيد منهم جداً هو