الله، الصيام كما أنه يكثر شهوة النفس ويذهب بسيطرتها يسبب صفاء القلب. وسعة الفكر. وطيب السريرة. ويبعث في النفس رحمة تضطر الصائم إلى النظر في حال أولئك الضعفاء المساكين وهو أحد أسباب مشروعية الصيام. فمن أدكر أن بعض الفقراء تلجئه الضرورة في أيام رمضان إلى الاقتصار على لون واحد من الطعام وبعضهم يضطره العدم إلى أن يبيت حزيناً طاوياً يقع في قلبه أثر هذه الرحمة ويشعر بمذاق ذلك الحنان. فتراه يحن على الفقير حنينه على جسده. ويعطف إليه عطفه إلى ولده وبذلك يستوجب رضاء الله ورحمته (الراحمون يرحمهم الرحمان تبارك وتعالى) يكون متقبل العمل مكتوباً اسمه في ديوان الصائمين. أما من غفل عن أسرار الصيام وفوائده وظن أنه يحصل بمجرد ترك الكل والشرب وأن نام الإنسان ثلثي النهار وتناول الكثير من الأطعمة ليخفف وطئة الصوم ورفث وفسق وأكل الحرام. وسرح في ميدان الشهوات وأذى آله وجيرانه. ووقع في أعراض الناس. فليس لله حاجة في صيامه روى البخاري مرفوعاً (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وجاء في بعض روايات الحديث السابق أمره صلى الله عليه وسلم الصائم بحفظ اللسان بقوله (إذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل فإن أمرؤ قاتله أو شاتمة فليقل أني صائم أني صائم) زد على هذا إن الغافل لم يعرف مقدار نعمة الله على عباده فإن من لم يذق ألم الجوع ولا يعرف مقدار نعمة وجود الطعام. وإن نفسه ضعيفة لم تعتد الصبر على تحمل المشاق. والرضا بالقليل عند فقد الكثير. وإنها النفس الشريرة التي تكره الطاعات. وترغب في الشهوات. وبذلك تقل الحسنات وتكثر السيئات ويكون هذا الرجل هو الذي لم ينله من صيامه إلا الجوع وتحمل الأوزار. وفقنا الله لمرضاته وألهمنا العمل بواجباته. مع فهم أسرارها. وجنى ثمارها. وأعاد علينا وعلى المسلمين أمثال هذا الشهر المبارك ممتعين بما يسر الصديق. ويكبت العدو. أمين.