يوم السبت لسبع خلت من شهر ربيع الأول والحال مطمئن والبحر هادئ والناس سائرون في أشغالهم فما شعروا إلا وتغير الحال واضطرب وجه البحر وعصفت عليه عواصف شرور همجية الغرب المتمدن ونظر القوم من وراء الأفق في الساعة الثالثة من صباح هذا اليوم بارجتين تقتربان إلى مرفأ بيروت وعندما وصلتا إلى ما يبعد عن الشاطئ نحو نصف ميل أطلقتا ضرباً نارياً تهديداً وتنبيهاً لمجيئهما قال: ألا إن الناس لم يعرفوا لأول وهلة أي نوع من أنواع البوارج هما ولا القصد من مجيئهما. قال ووقفنا ننظر إليهما بعين الدهشة والاستغراب وخصوصاً عندما عرفنا أنهما بارجتان إيطاليتان ثم حضر زورق من طرف قائد المدفعية العثمانية إلى الأسطول الإيطالي ليستعلم منه عما يريده الأسطول بقدومه فأعلمه على (ماشاع بعد) بأنه يريد المدفعية العثمانية (عون الله) والنسافة (أنقرة) وأنه في الساعة ٩ إفرنجي إن لم يسلما أنفسهما يضطر إلى ضربهما داخل المرفأ وآنئذ تقول الناس الأقاويل فمنهم من قال مرادهم ضرب الثغر ومنهم من قال مرادهم أخذ النسافة والمدفعية ولا يمكنهم ضرب البلد قطعياً ومنهم من قال غير ذلك.
ثم سمعنا صوت المدافع في الفضاء الواحد تلو الآخر وشعرنا أن الأرض تهتز من عظم تلك الطلقات وكانت إحدى البارجتين راسية أمام المرفأ (البور) ترمي القنابل وكان الدخان يتصاعد وأصوات النساء والأولاد من البيوت تتصاعد معه. منظر مؤثر ومشهد رهيب استولى الرعب فيه على القلوب وغلب الروع على الأفئدة. ودامت الطلقات متواصلة على البارجة (عون الله) والطراد (أنقرة) حتى غرقت الأولى واضمحل أمر الثانية وبقيت على وجه الماء وهدمت من تلك القذائف الجهنمية بعض الأبنية وقسماً من المصرف العثماني والجمرك ومصرف سلانيك وقتا نحو مائة رجل خلا الجرحى. قال ثم بعد أن تمت تلك البارجة مقاصدها السيئة رجعت تمخر عباب البحر والمياه تشب أمامها كأنها تطالبها بما أتته من الضرر والفعل الذميم. ولما اقتربت من رفيقتها التي كانت في انتظارها وبعبارة ثانية كانت تحمي ظهرها سارتا معاً وأوغلتا في البحر إلى ما وراء الأفق وهنا ظن الناس الظنون. ظن بعضهم أنهما ذهبتا إلى طرابلس شام والبعض الآخر ظن أنهما قصدتا إسكندرونة لضرب المدفعية العثمانية الراسية هناك لكن مع الآسف لم يطل أمد هذا التخرص إذ عادت البارجتان الطليانيتان واقتربت إحداهما من البور ببطء ودخلته غير