الاعتقاد والعمل الصالح وبهذا يظهر لك الفرق بين المعجزة والكرامة فإن المعجزة مقرونة بالتحدي ودعوى الرسالة والتبليغ عن الله تعالى ولابد أن تكتنفها حوادث تميزها عما عداها بخلاف الكرامة فإنها لم تقترن بذلك فلا تكون قادحة في المعجزة التي هي دليل النبي كما يتوهم لأن الولي نفسه يؤمن بمعجزة ذلك النبي ويعترف له بوظيفته ويعتقد أن كرامته من ضمن معجزاته الدالة على صدق شرعه ولا يرد أن السحر أمر خارق للعادة أيضاً لأن السحر يظهر على يد الفساق والزنادقة والكفار الذين هم على غير شريعة ومتابعة فلا يسمى بالكرامة بل استدراجاً.
ولعلماء أهل السنة دلائل عقلية ونقلية على جواز وقوع الكرامات لأولياء الله الذين هم قائمون بأوامره راضخون لأحكامه مستغرقون الفكر في عظمته وجلاله منها أن ظهور الخارق للعادة أمر ممكن في ذاته وكل ما كان كذلك فهو صالح لشمول قدرة الله تعالى لإيجاده إذ لو لم نقل بجواز الوقوع للزم نسبة العجز لقدرة الله تعالى التي تتعلق بجميع الممكنات وللزم ترجيح بعض طرفي الممكن على بعض وكلاهما محال.
ودليل إمكان ذلك الأمر أنه لا يلزم من فرض وقوعه محال عقلاً فإنكار وقوعها مكابرة وعناد على أنه لم يثبت في شيء من كتب المذاهب الأربعة المتواترة أصولاً وفروعاً القول بانقطاع كرامات الأوليات ولو بالموت فلا يلتفت إلى ما يهذي به أرباب الرعونات النفسية والنزغات الشيطانية.
ولنسرد الأدلة النقلية من الكتاب والأخبار والآثار المؤيدة لوقوع الكرامات بالفعل فمن ذلك قصة مريم عليها السلام في قوله تعالى {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً} وكلاك كلب أهل الكهف معهم وقصة آصف بن برخيا مع سليمان عليه السلام في عرش بلقيس وإتيانه به قبل أن يرتد الطرف وكل هؤلاء ليسوا بأنبياء وأما الأخبار فقد ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون (ملهمون) يلقى في روعهم الشيء قبل الإعلام به فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً في الحديث المخرج عند الحاكم عن أبي هريرة رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره.
وأما الآثار التي وردت عن السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الكرامات فكثيرة