علمه من أحوال البرزخ والمعاد الجسماني معبراً عن ذلك بما تحتمله عقولهم ولا يبعد عن متناول إفهامهم وقد اشبعنا الكلام في مقالاتنا السابقة وبينا شدة حاجة البشر إلى الرسل بما لا يدع حاجة في النفس إلى المزيد.
إذا تمهد هذا فنقول ثبتت نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالدلائل القاطعة والبرهين الناصعة وأنه صادق فيما يخبر عنه عن ربه فلا مرية في أنه يجب تصديق خبره والإيمان بما جاء به عليه الصلاة والسلام فمما أخبر به صلى الله عليه وسلم سؤال القبر وعذابه ونعيمه وقد وردت الأحاديث ناطقة بذلك ومصرحة بوقوعه وتعددت طرقها تعداداً أفاد به مجموعها التواتر المعنوي.
أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا دفن الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له قبره سبعون زراعاً في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وإن كان منافقاً قال سمعت الناس يقولون فقلت مثله لا أدري فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يوزال فيها معذباً حتى يبعثه الله تعالى من مضجعه ذلك وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وأنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه الخ الحديث وقد ورد في ذلك جملة من الأخبار التي صحت أخرجها أصحاب السنن والمسانيد ما بين مطول ومختصثر في رواية غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم.
ثم أن سؤال القبر عام لكل مؤمن وكافر كما عليه جمهور العلماء وهو أمر ممكن من مجوزات العقل وكل ما جوزه العقل يستدعي عادة الحياة إلى البدن لفهم الخطاب ورد الجواب وإدراك اللذة والألم وهو منتف بالمشاهدة لأنا نقول أن ذلك لا يستدعي إعادة الحياة إلى جزء من الأجزاء الذي به فهم الخطاب ورد الجواب ولا يدفع ذلك ما يشاهد من سكون أجزاء الميت وعدم سماعنا للسؤال له فإن هذا مجرد استبعاد خلاف المعتاد وهو لا ينافي