الراجح وقوع مثله على العجماوات وإنما المراد أن المعارف إذا تم انتشارها بين أفراد الأمة وسائر طبقاتها قضى عليها بالاتحاد والوئام وبرهن لها على وجوب السعي في سبيل الاستعداد بإكفاء الرجال وخزائن الأموال وروائع العدد الحربية حيث يمكنها حينئذ أن تحتفظ بكيانها وتصون أوطانها وتقف في أرقى مستوى يتاح للدول الوصول إليه وهانحن ندرك بجميع حواسنا أن كل حكومة تذرعت بوسائل التقدم الدستوري والترقي وأخذت بالحيطة في شؤونها من جميع أطرافها لا تلبث عشية أو ضحاها حتى تثور من مرابضها وتنظر إلى غيرها نظر الساخط الساخر ولسان حالها يملأ الفضاء بمثل قول الشاعر:
وترعى حمى الأقوام غير محرم ... علينا ولا يرعى حمانا الذي تحمى
كما أن الأمم القاصرة المقصرة التي لاتعنى بالمعارف لاتزال إزاء غيرها من الدول القوية خافضة الجناح استكانة ومذلة خافتة الصوت بمثل وقول الشاعر:
إذا مرضنا أتيناكم تعودكمو ... وتذنبون فنأتيكم وتعتذر
وصفوة المقال أن النهضة العلمية هي برهان النجاح وحجة الترقي فما الذي عملناه نحن وحكومتنا الشوروية إزاء هذه النهضة منذ الانقلاب إلى اليوم هذا سؤال يردده كل عثماني يغار على الحكومة والوطن ويعنى بالفحص عن أسرار انحطاط هذه المملكة العثمانية التي قاس سكانها من العناء والبلاء ما لا يعلم به إلا الذي يحيط علماً بالجزئيات والكليات.
ونحن كنا نود أن نصرح هنا بما نشأ عن أعمال نظارة المعارف من التقدم العلمي في هذا الدور الجديد وماذا تجدد فيه من المدارس والمكاتب ودور المعلمين وماالحكمة التي روعيت في تنظيم برنامجاتها وانتخاب أساتذتها ومعلميها مع بيان الكيفية في إلقاء الدروس وإملاء التقريرات كل ذلك كنا نرغب في بسط إيضاحه بسطاً يتمكن المطلع عليه من الوقوف على مقدار الحركة العلمية والإشراف على سير المعارف في المملكة العثمانية بيد أننا نرى عنان القلم ينكمش منقبضاً عن الجري في مضمار هذه التصريحات ويقصر عن بلوغ المدى في ميدان تلك الإيضاحات مع أن في هذا المقام متسعاً للباحثين وكأن اليراع توقع إذا هو استقصى البحث واسترسل في الكلام وخاض هذا الموضوع غير هياب ولا وكل أن يقع في مضيق قانون المطبوعات الذي يصعب التقصي (٣) منه كما يسهل التورط فيه على حد قول الشاعر: