للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبدلة وقد تولاها رجال بالشروح والتأويلات حتى خرجت بها الأديان عن أصولها وصارت كلها متناقضة تسمح للملحد أن يقول إذا كانت الأديان كلها وحياً من الله فلماذا نجدها متناقضة متعاكسة فإما أنكم حرفتموها عن أصولها وإما أنكم كذبتم على الله بنسبتها إليه لأنه لا يقال أن الله ينزل على قوم ديناً يعلمهم فيه أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله منزه عن الجسم والجسمانيات لا تحيط به الأفكار ولا الظنون ثم يوحي إلى آخرين ديناً يقرر لهم فيه أن له ثلاثة أقانيم وأنه أرسل ولده ليفتدي العالمين ثم يوحي إلى أمة أخرى بأنه تجسد في جسد فلان وحل في جسم فلان الخ مما لا يمكن التوفيق بينه بأي وجه من الوجوه هذه معضلة لا يحلها إلا أحد أمرين: إما الاعتقاد بأن هذه الأديان محرفة أو بأنها ليست وحياً من الله ولكنها من أفكار من وضعها من الأقدمين. أما القول بأنها من موضوعات الأقدمين فلا ينهض به دليل لأن أولئك الرجال الفضلاء الكاملين الذين دلت حياتهم على فضل وتقوى وزهد وعبادة، الذين قالوا نحن رسل الله جئنا بدين الله يبعد أن يكونوا من الكاذبين المزورين لأن التزوير لا يولد فضيلة ولا ينتج كمالاً ولا تقوى (انظر ما قلناه عن محمد صلى الله عليه وسلم) إذن لم يبق أمامنا إلا الفرض الثاني وهو أن هذه الأديان حرفت عن أصولها وأن أصلها كلها واحد.

إن وصلنا إلى هذا الحد قلنا: ها هو رسول كريم أرسله الله رحمة للعالمين دلنا بتاريخ حياته من أولها إلى آخرها في زهده وعبادته وتواضعه وبعده عن زخارف الدنيا على أنه واحد من اولئك المرسلين جائنا يقول عن الله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً فأما الذين آمنوا واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً).

جاء هذا الرسول يقول عن ربع (شرع لكم من الدين ما وحى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين لوا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي غليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى آجل مسمى لقضي بينهم وأن الذين أوروثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب) فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا

<<  <  ج: ص:  >  >>