الفخري أن الرشيد قد صب الماء على يدي أبي معاوية الضرير وهو يغسل وروى صاحب طبقات الأدباء أن الأمين والمأمون ولدي الرشيد تنازعاً في حمل نعل أستاذهما الفراء وتقديمها له حتى اصطلحا على أن يقدم كل منها واحدة.
كذلك كانوا يكرمون العلماء الحقيقيين ويجلونهم
استقام الأمر على ذلك مدة مديدة ثم طرأ على مركزهم التزلزل والانحطاط كما طرأ على المسلمين. وكان العامل الأقوى في هذا السقوط انخراط شرذمة من الجهلاء وأهل الأهواء في هذا السلك الشريف. أخذوا يدجلون على العاملة ثم التفوا حول المراء والملوك فجاورهم في أهوائهم وزينوا لهم سيئاتهم وقضوا لهم فيما يشتهون.
أضف إلى ذلك ما جرت عليه الأمة من ذلك الحين. وأنها كانت إذا مات العالم وخلفه جاهل أفضت بالأمر إليه وأفرغت الدروس عليه كان العلم عقار أو مال أو متاع، وهكذا أخذ الجهال وظائف العلماء ولم يبق مرغب في العلم ولا داع إليه ولا حامل عليه.
فسدت الأخلاق. وراج النفاق. وانقلب العز ذلاً، والعلم جهلاً. وصارت علماء الدين مرمي للسهام. ومشحذة للأقلام. بعدما كانوا في منزلة تقر بها عيون الدين. وتنشرح لها صدور المسلمين عظم الأمر وعم الخطب وبلغ التحامل على العلماء مبلغاً لم يعهد من قبل حتى قام بعض الكتاب ممن أولعوا بالتقليد العمى للغربيين ينددون بالسلطة الدينية. ويطلبون فصل السلطتين الدينية والسياسية. مدّعين أن الدين إذا خالط السياسية أفسدها إلى غير ذلك من المزاعم الباطلة وخزعبلات القول ذلك لأنهم رأوا أن الغربيين ينتقدون السلطة الدينية ويطلبون القضاء عليها لأنهم ذاقوا من تلك السلطة ما أظهر لهم أنها تحول دون رقيهم العقلي فقلدوهم على غير هدى. (وهكذا الأمم المنحطة تتشبه بالأمم الراقية. ولو فيما لا ينطبق على مصالحا) اللهم أرزقنا استقلالاً في الفهم على رسلكم أيها الكتاب لا سلطة في الدين الإسلامي إلا للشرع، أن العالم ليقضى بين الناس ويصدر الفتاوي (هذا حلال وهذا حرام) ويأمر بالمعروف. وينهى عن المكر. ويهذب العامة. ويرشد الخاصة. وهو المرجع في الحيرة والمرجو لدفع الشبه عن المسلمين.
لا سلطة ولا تسلط. ولا غفران ولا حرمان إنما هي رتبة خوله إياها العلم. وقضت له فيها الحكمة.