الحيوانات من مصالحها وأعطيته من الآلات المناسبة لها وذلك يدل قطعاً على كون صانعها قادراً فإن من رآى ثوباً من ديباج حسن النسج والتأليف متناسب التطريز والتطريف ثم توهم صدوره من جاهل به وعاجز لا استطاعة له ولاقدرة كان عن حيز العقل خارجاً وفي سباسب الجهل راتعاً.
شعورك أيها الإنسان بتلك القدرة الأزلية التي تولتك وأنت نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، وربتك تلك التربية الجنينية، ثم هدت والدتك وساقتها للعناية بك حتى كبرت وترعرعت، وبأنها لتولاك الآن وتبعثك بالدوافع التي وضعتها فيك إلى كمال أنت مستأهل له يجعلك هادئ الضمير، ثلج الصدر، مطمئن الفؤاد، آمناً من جيشات الشبه الهائلة، وسطوات الشكوك الفادحة، (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) يزيدك بياناً وبرهاناً أنك لو استعرضت شيئاً قليلاً من عجائب النباتات ورأيت أنك تلقي إلى الأرض بذرة لا تكاد تحس بها بين أصابعك فتراها بعد سنين شجرة ذات جذع غليظ وفروع ممتدة وأوراق وأثمار ذات ألوان وطعوم وأريج ثم لو طفت أيضاً على مملكة الحيوانات واستحضرت إلى فكرك تلك الكائنات المختلفة في الصور والأحجام والأشكال والطبائع والغرائز ثم لو تفكرت في أن الماهية التي هي أصل كل هذه الصور البديعة مجهولة لديك بالمرة لرجعت وكلك شعور بضعفك وعجزك ولوجدت فؤادك ساجداً بفطرته أمام هذه القدرة العظمى التي بهرت العقول وأدهشت الألباب خاضعاً لعظيم سلطانها راضخاً لتصرفات هذا الرب جل وعلا معترفاً بأنه على كل شيء قدير (لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. فالكون والكائنات آيات لتمام قدرته ودلالات واضحة على كمال تدبيره فسبحانه وتعالى (خلق فسوى وقدر فهدى) إن في ذلك لعبرة لمن يخشى أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعاً لكم ولأنعامكم).
الإرادة ٨
مما يجب لله تعالى أيضاً الإرادة: وهي صفة أزلية لتقتضي تخصيص لمكونات بما يجوز عليها من الوجوه الممكنة على وفق العلم فكل موجود لابد أن يكون على قدر مخصوص