قلنا في الجواب لهم أما قصدكم فالله أعلم به وأما إنكاركم أن يكون في مثل هذا الوقت المنير شيء من ذلك فهو مردود لأنا لم نزل نسمع أن في الهند وثنيين ويعبدون الهياكل القديمة ويتقربون إليها بقصد النفع ودفع الضر ويوجد أيضاً من يعبد الشمس أو القمر.
أفهل يقال بعد هذا كله أن هذا الزمن زمن نور لا يمكن أن تعبد فيه التماثيل وأما زعم أن استعمالها تذكاراً لمن مضى وتقديراً لعمله وتخليداً لذكراه فهو زعم باطل أيضاً لأن التاريخ هو الذي يقدر أعمال الرجال ويحفظ لها ذكرها ويشيد لها مجدها ويجعلها محترمة في القلوب معظمة في الصدور. ولا دخل للصورة في شيء من ذلك فكم من صور حفظت ولم يعرف لصاحبها عمل يذكر به وكم من مصلحين دوى صدى آثارهم في جميع الأقطار بما حفظ التاريخ لهم من الأعمال والآثار ولم يقم لهم تمثال ولم ترسم لهم صورة ولم يتساءل العقلاء عن أشكالهم وهيآتهم واكتفوا بنتائج عقولهم وثمرات أفكارهم هؤلاء الرسل والأنبياء والخلفاء والعلماء وأساطين الأمة ومصلحوها ونقلت أخبارهم وبقيت آثارهم ووصلت إلينا سيرهم وهي باقية كما ترونها (وستبقى أبد الآبدين إن شاء الله) وليس لهم صورة ولا رسم.
هذا القرآن العظيم وسائر الكتب السماوية المنزلة لهداية البشر وفيها ذكر من مضى وبيان عاداتهم وسيرهم وأخبارهم لنعتبر بها لم نعهد أنها رسمت تمثالاً أو صورة_فيا متخذي الصور والتماثيل أبتقليد الفرنجة تترقون؟ أم بما حرم الله تعتبرون بخ بخ لهذا الارتقاء أليس من الحكمة أن ندع تقليد الفرنجة ونقتدي بكتاب الله تعالى ونأتمر بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وننكر ما أنكره؟
أليس من الحكمة أن لانتغالى في تقليد أعدائنا مغالاة تضر في ديننا وأخلاقنا_في الزواجر لابن حجر في تفسيره قوله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً) قال عكرمة الذين يصنعون الصور وأخرج الشيخان أن ابن عباس رضي الله عنهما جاءه رجل فقال إني رجل أصور هذه الصور فأفتني بها فقال ادن مني فدنا ثم قال ادن مني فدنا منه حتى وضع يده على رأسه وقال أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مصور في النار ويجعل له بكل صورة صورها نفساً تعذبه في جهنم قال ابن عباس فإن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفسه له.