يعتد بقولهم أنه لا طريق لرقي الإنسان إلى أوج السعادة واقتحامه عقبات هذه الحياة إلا بالنظر في النفس والتأمل في ملكوت السموات والأرض. ليقف على حقائق الكون وطبائعه، فيزداد إيماناً بوجود الصانع وكمال تدبيره.
ليس المراد من النظر تقليب الحدقة فإن البهائم تشارك الإنسان فيه، ومن لم ير من السماء إلا رزقتها، ومن الأرض إلا غبرتها، فهو مشارك للبهائم وأدنى حالة منها وأشد غفلة (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل).
فعلم أن المراد من النظر التفكر في المعقولات، والنظر في المحسوسات والبحث عن حكمتها وتصاريفها لتظهر حقائقها وكلما أمعن الإنسان النظر فيها ازداد هداية ويقيناً ونوراً وتحقيقاً وعجائب السموات والأرض بحار لا تدري سواحلها، ولا تعرف أوئلها ولا أواخرها (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) ومع هذا كله نرى أن الإنسان إذا دهاه أمر، أو ألمت به ملمة، فلابد أن يفزع إلى مرجع يرجع إليه، ويعتمد في كشف بلواه عليه، فيستغيث به طبعاً وجبلة، لا تكلفاً وتصنعاً هذا كله مر كزوفى جبلة الإنسان العاقل ولكن أكثر الناس يذهلون عن ذلك في السراء ويرجعون إليه تعالى في الضراء (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا أياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم) فثبت بهذا أن عامة الناس ارتكز في طبائعهم وتمكن من نفوسهم من غير معلم أرشدهم، ولا اصطلاح وقع بينهم أن لهم خالقاً يدبر شئونهم وهم متساوون في هذا الاعتقاد مهما اختلفت طرائقهم ومشاربهم، وتضاربت آرائهم ونزعاتهم والرسل عليهم الصلاة والسلام لم يرسلوا ليعلموا الناس بوجود الصانع فإنه معلوم الوجود بداهة كما قدمنا وإنما أرسلوا عليهم الصلاة والسلام ليدعوا الناس إلى التوحيد كما تشهد آية (فاعلم أنه لا إله إلا الله).
الصيام
قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تنقون أياماً معدودات) أمر الله جبت حكمته عباده المؤمنين بالصيام وألزمهم به أعتناء بهم. وتفضلاً عليهم. ليطهرهم به من الآثام. ويحررهم من رق الشهوات ليخلقهم ببعض أخلاقه، ويلحق أوصافهم بأوصاف ملائكته، ليستخلصهم لنفسه، ويدخلهم حظيرة قدسه. ثبتت