أن قطع مثل هذه المسافة ذهاباً وغياباً في بعض ليلة محال عقلاً لأن مثل هذه المسافة لا تقطع عادة إلا في أيام كثيرة وأن بعض علماء الهيئة قالوا أن الفلاك لا فرجة فيها ولا تقبلالخرق والالتئام والجواب أن الأجسام كلها متماثلة في قبول الإعراض من قطع مسافة وخرق والتئام وغير ذلك وأما سرعة قطع المسافة فقد ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي الكرة الأرضية مائة ونيفاً وستين مرة ثم أن طرفها الأسفل يصل لموضع طرفها الأعلى في أقل من ثانية والطير والريح مشاهد سرعة قطعهما المسافة والله تعالى قادر على كل الممكنات فيقدر على أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة في بدن النبي صلى الله عليه وسلم ا , فيما حمل عليه وقد دل القرآن على نقل عرش بلقيس من مسافة بعيدة بأقل من طرفة عين.
وأما الخرق والالتئام فهو مشاهد في الماء والسماء مماثلة له في الجسمية فما جاز على جسم بقدر الله تعالى يجوز على جسم آخر على أن النصوص الصحيحة قد نطقت بأن السماء لها ابواب تفتح وتغلق فلا عبرة بغيرها فإن قال قائل يلزم من إثبات وقوع المعراج محال لأن فيه ألفاظاً توهم المكان والقرب وغير ذلك مما هو محال نسبته إلى الله تعالى.
قلنا الألفاظ التي توهم ذلك هي من المتشابه التي ورد القرآن والأحاديث الصحيحة كثير منها فأما إن تؤل كما هي قاعدة الخلف وإما أن يفوض العلم بها إلى الله كما هي قاعدة السلف وقد حققا ذلك في الجزء الحادي عشر فارجع إليه إن شئت وهنا نلفت أنظار الوعاظ والمدرسين الذين يقرؤون قصة المعراج الشريف على أسماع العامة في المساجد إلى تبيين هذا الجواب بأوسع مما ذكرنا مخافة أن يعلق في أذهان العامة ما يخالف عقيدة المسلمين.