ثم مد أبو بكر وعمر أيدهما كل منهم يريد أن يبايع صاحبه وكان عمر أقوى رجلين ففتح يد أبي بكر فبايعه وتتابع الناس على البيعة وكفى الله المؤمنين ما كان يخشى حدوثه من الفتنة وافتراق الكلمة.
وهو الذي انفذ جيش أسامة في ذلك الوقت الحرج ولم تفزعه المصائب ولن تقف في سبيل مضاء عزمته الخطوب. عن الحسن ابن أبي الحسن البصرة قال ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بعثاً على أهل المدينة ومن حولهم وفيهم عمر بن الخطاب وأمر عليهم أسامة بن زيد فلم يجاوز أخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر أرجع إلى خليفة رسول الله فاستأذنه يأذن لي أن أرجع بالناس فإن معي وجوه الناس ولا أمن على خليفة رسول الله وثقل رسول الله وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون. وقالت الأنصار فإن أبي الآن نمضي فبلغه عنا واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلاً قدم سناً من أسامة. فخرج عمر بأمر أسامة فأتي أبا بكر فأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاءً قضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن الأنصار أمروني أن أبلغك وأنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة فوثب أبو بكر وكان جالساً فأخذ بلحية عمر فقال له ثكلتك أمة وعدمتك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه فخرج عمر إلى الناس فقالوا له ما صنعت فقال أمضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله، ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر فقال أسامة يا خليفة رسول الله والله لتركبن أولأ نزلن فقال والله لا تنزل ووالله لا أركب وما على أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة فإن للغازي لكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له وسبعمائة درجة ترفع له وترفع عنه سبعمائة خطيئة حتى إذا انتهى قال أن رأيت أن تعينني بعمر ففعل فإذن له ثم قال يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني لا تخونوا ولا تغلوا ولا تقدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا أمرأ ولاة تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا