لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم.
والإنسان على كل حال من أحواله لا يود البرهان على عقيدته إلا ظاهراً واضحاً لا فلسفياً غامضة. وكل ابتعد أصحاب الاعتقاد في حفظ عقائدهم عن الفلسفة وقضايا الجدل سلموا من آفات الافتراق في الدين والتحزب للمذاهب الباطلة. فإذا كان الإنسان ذا نفس ذكية. طاهرة نقية. رقيقة الإحساسات. دقيقة الشعور. حية العواطف. ينزل إلى هذا الكون وترتيبه فيشق عليه إن يعتقده خالياً من آله رحيم ينشر على المخلوقات أشعة رحمته ويقيم أمورها بحوله وقوته. ويفيض على أصنافها من إفاضات عنايته ورأفته. وهذا لا ينتظر برهاناً فلسفياً ليؤمن بخالقه. ويعتقد بوجوده. إذ هو مؤمن به بذاته. بل نفسه وحدها أصرح براهين على وجود مبدعه. وأما إذا كان مظلم النفس. غليظ الشعور. لا يدرك الكمال. ولا يحس بجلالة العلوم. فلا يبحث عن عقيدة. ولا يصغى لمن يرشد إليها. لفقدانه معنى الكمال الذاتي. وهذا ومن على شاكلته. معنيون بقوله تعالى (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم. ولو سمعوا ما استجابوا لكم) ومثل هذا لا يرغم أنفه. إلا الدليل الواضح. حتى إنك لو برهنت لواحد من هؤلاء الملاحدة على وجود الصانع. بالبراهين الفلسفية. لوجدته يطير فرحاً لأنك أفسحت له مجال القيل والقال. ويأخذ يرد عليك رداً. ويوسعك تأنيباً ونقضاً. وأما لو تركت له مجال تعسف في التفلسف وحاكمته للحس والعيان. لرأيته ينكص على عقبيه. وله رسيس في الصدر يذيب الحجر. قال في الحديقة الفكرية ما لفظه يتصرف.
وبالجملة فإن مسألة وجود الخالق لا يصح أن تعد في صف المسائل المشكوك فيها والتي يتسع الرجال فيها للأخذ والرد. لأنها أجلى البدائه العقلية والحسية معاً. ولكن يجب أن يعد نكرانها من باب الجنون. ودليلاً المحسوس على أن مسألة نكران الصانع جل وعز ليست إلا نزعات شياطين سفلية، تبعث بعقول بعض الناس الذين تمكنا فيها داء الجهل بخالقهم واستولى عليهم ضرب من الهوس. فلا يفقهون شيئاً. حتى أن أكبر طبيعي أن دهري مهما كان غزير المادة. قوي الحجة. تراه عند تكلم على هذه المسألة يخبط خبط عشواء. ولا يهتدى إلى إرشاد سبيلاً. فهو يضرب في ليلاء من الشطحات. وظلمات من المدركات التافهة لا يقع في أمثالها الأطفال. بما اعتراه من سخافة العقل وخساسة الرأي. (حمانا الله من آفات الجهل).