بواديها ومن خطباء الحلل الحلل في نواديها ومن قراضبة نجد في أكلائها ومراتعها ومن سماسرة تهامه في أسواقها ومجامعها وما تراجزت بها السقات على أفواه قلوبها وتساجعة به الرعاة على شفاه علبها وما تقارضته شعراء قيس وتميم في ساعات المماتنة وتراملت به سفراء ثقيف وهزيل في أيام المفاتنة كما قاله العلامة الزمخشري.
هكذا كنا نؤثر الاقتصار على استقراء كلام أهل الشيح والقيصوم من الإعراب والإعرابيات اللواتي قال فيهن أبو الطيب:
ما أوجه الحضر المستحسنات بها ... كأوجه البدويات الرعابيب
حسن الحضارة مجلوب بتطرية ... وفي البداوة حسن غير مجلوب
أفدي ظباء فلاة ما عرفنا بها ... مضغ الكلاء ولا صبغ الحواجيب
ولا برزنا من الحمام ما إلى ... أوراكهن ثقيلات العراقيب
ومن هوى كل من ليست مموهة ... تركت لون مشيبي غير مخضوب
ولم نزل على ذلك حتى أتيح لنا النظر فيما حبرته أيدي الكتاب بهذا العهد ونمقته أناملهم، وخطه بنانهم، من نفثات صدورهم، وبنات أفكارهم وعبارات ألسنتهم، وتراجم ضمائرهم فرأينا أن الكثير منهم والحق يقال قد سلك في إنشائه طريق السهل الممتنع يرسل عنان قلمه في ميدان صحيفته، معرباً عن ضميره بما يجري على لسانه مما تمليه القريحة بدون إجهاد ولا أعنات مع التحرز من العامية المبتذلة واللغة المرزولة ومن غير تكلف للسجع الذي هو من ألد أعداء المعاني إلا ما جاء عفواً صفواً مما يزيد الكلام بهجة وحسناً مع المحافظة على آداء تمام المعنى وألئك هم صفوة كتابنا الذين نقتبط بهم ونتمنى أن يكثر المتأسون بهم في رفع التكلف الكتابي الذي هو اضطهاد \ للفكر وضغط على القريحة مما يضيق به صدر الكتاب وتشمئز منه نفسه، ولا يزال أحدنا يقصر عن بلوغ هذه المنزلة السامية في الإنشاء ما دامت في اللغة الفصحى أقل رسوغاً منها في اللغة العامية المحكية ولذلك نرى الكاتب العربي يقاسي عرق القربة في تحصيل لغته الكتابية ويعاني من الجهد والعناء أكثر مما يعانيه أبناء اللغات الأخرى المتحدة كتابة وحكاية بين الخواص والعوام وهذا هو السر في كون التركي مثلاً أجرى قلماً وأنجز كتابة فيما لو جمعت بينه وبين عربي لم تقو ملكته الكتابية قوتها المحكية واقترحت على كل منهما أن يكتب من موضوع