القائمين اليوم بافتتاح المدارس وبذل النفوس والنفائس في سبيل تعلم اللغة العربية ابتغاء ترقية حضارتهم وتكميل مدنيتهم ومنافسة لنا في العلوم التي كان العرب ينفردون بالإخصاء فيها وطالما صرفوا أعماراً وأموالاً على احتواء احاش الكتب العربية القديمة حتى تسربت إلى بلادهم ولم يبق منها لدينا إلا غيض من فيض وها هم يترجمونها إلى لغاتهم مما ربما يؤدي إلى انقراضها من صحيفة الوجود العربي وهذا من الأسباب التي حملت الأجانب على أن تعني بشأن لغاتها التي أصبح العربي في حاجة إلى تعلمها لدراسة الكثير من فنون هذه الحياة الدنيا التي أستأسر الغربيون بإتقانها والحذق في تفهم أسرارها.
هذه فرنسا لها جمعية مخصوصة للنظر في لغتها الأفرنسية والقيام بإصلاح ألفاظها وتحسينها حسبما تقتضي الحالة العصرية والذوق الجديد، فلا تزال تمحو وتثبت وتقرر وتنسخ وتزيد وتنقص ورجال الأقلام هنالك لا يخالفون لها قراراً بل يجرون على ما تخطه لهم وتسنه بينهم ويقتدون في كتابتهم بها حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة هذا ولغتهم لم يبلغ التفاوت بين كتابيتها ومحليتها ما بلغ لدينا معاشر العرب.
فنحن أولى بهذه العناية اللغوية منهم فأين جمعيتنا التي تستضيء بنورها في بيان العربي والمعرب والأعجمي والدخيل ونحو ذلك لنقتفى آثارها فيما نريد تدوينه بلغتنا الفصحى التي قامت لغتنا العامية المحكية تنازعها البقاء وتشن عليها الغارة بعد سلبتها من أصل مادتها جزأ لا ينبغي أن يستهان به نعم سلبتها ثلاثة أحرف وهي الثاء والذال والظاء ذهبت ويا للأسف فريسة الإهمال والتساهل المخل فأما الثاء والذال فقد حرمناهما لا إلى بدل مستحدث يقوم مقامها وغنما استعيض عنهما بالسين والزاي وبذلك نقص من حروف الهجاء العربي حرفان لهما نظير في بعض اللغات الأعجمية كالإنكليزية ولم يزل أهلها محافظين على التمسك بذلك والتلفظ به على أصله. وأما الظاء فقد استعيض عنها بحرف أجنبي عن اللغة العربية. مع أن العلماء ذكروا أن الظاء من خصائص لغة الضاد فلا توجد في سواها اللهم إلا إذا دخلت الآن في محدثات بعض اللغات وهكذا أصبحت حروف الهجاء العربي خمسة وعشرين مع حرف مبتدع محدث تصير به ستة وعشرين وربما وافينا القراء في العدد الآتي بنبذة تتعلق بهذا الموضوع الجليل. والله الهادي إلى سواء السبيل.