الحجج والبراهين على وجود الله تعالى وتوحيده وعلى الحشر والنشر ودفع الشبه وإزالة الريب ووصف دار النعيم وأحوال سكانها ودار الجحيم وأهوالها ونعت عالم السموات وما في العالم العلوي من الآيات من كواكب وأمطار وسحائب وغيرها ووصف الأرض وجبالها وسهولها وبحارها وينابيعها وما اشتملت عليه من نباتات وحيوانات ومعادن وأزهار وغيرها حتى يصح أن يقال أنه لم يبق علماً من علوم الأوائل والأواخر إلا صرح به أو أشار إليه على أساليب متنوعة وطرائق بديعة مع هذا كله لم يقع فيه تناقض ولم يتخلله تضارب خال عن جميع العيوب بعيد بحسن نظمه عن مشابهة كل أسلوب ليس له مثال يحتذى عليه ولا إمام يقتدى به فلا هو من نوع القصائد العربية ولا من الأراجيز البدوية ولا يمل مع الترديد ولا يشبع منه لعلماء ولا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه.
ولو لم يكن من عظيم شأنه وجليل برهانه إلا أن عمّ الأرض نوره وجلل الآفاق ضياؤه ونفذ في العالم حكمه وطمس ظلام الكفر بعد أن كان مضروب الرواق ممدود الأطناب مبسوط الباع مرفوع العماد ليس على الأرض من يعرف الله تعالى حق معرفته أو يعبده حق عبادته أو يدين بعظمته أو يعلم علو جلالته أو يتفكر في بديع حكمته لكان ذلك كافياً في الدلالة على أنه من عند الله (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري مالكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نور نهدي به من تشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم).
أليس في ظهور هذا الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها على لسان أمي لا يكتب ولا يقرأ أعظم معجزة وأكبر دليل وأدل برهان على أنه ليس من صنيع البشر وإنما هو تنزيل من عزيز حكيم.
ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آية باقية ما بقيت الدنيا (إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون)(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وسائر معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد انقضت بانقضاء أوقاتها ولم يبق إلا خبرها والقرآن الكريم الباهرة آياته مضى عليه ما يزيد على ألف وثلاثمائة سنة وهو على ما هو عليه حجة قاهرة ومعارضته ممتنعة والأعصار كلها طافحة بأهل اوحملة علم اللسان وأئمة البلاغة وجهابذة الكلام والبراعة والملحد فيهم كثير والمعادي للشرع عنيد فما منهم من أتى بشيء يؤثر في