القسم الأول من الشبان من تعقد الآمال بأحلامهم يفتخرون بدينهم فيحرصون على مبانيه الأساسية كالصوم ويتجنبون مناهيه الأصلية كالميسر والمسكرات لا يقصرون في بناء قصور الفخر ولا يرضون أن يكونوا حلقة ساقطة بين الأسلاف والأخلاف يعلمون أنهم خلقوا أحراراً فيأبون الذل والصغار يودون أن يموتوا كراماً ولا يحيون لئاماً، يجهدون أن يعيشوا عيشة راضية غير أنهم أندر من الكبريت الأحمر الذي نسمع به ولا نراه وإن وجد فرد منهم فهو منبوذ نبذ النواة.
والقسم الثاني رعاع أوباش آدابهم التوحش وأخلاقهم الهمجية يفتخرون بقطع الطريق وخيانة الصديق لا ينطبق حالهم على ناموس وليس لهم من أنفسهم وزع وهم أكثر شبان القرى وسكان البادية وأطراف المدن.
والثالث هو القسم_التمدن أي المتفرنج أولئك الذين يتسابقون إلى المنكرات تسابق خيل الرهان يقصدونها من بلد إلى أخرى يفتخرون بالتخنث وتقليد النساء في الزينة والملابس الرقيقة والتكسر ولين الكلام إلى غير ذلك مما تأباه المروءة الإسلامية. وما سرى علينا ذلك إلا لتقليدنا أسافل الإفرنجة تقليداً أعمى لا عن تبصر وروية ذلك لنرتقي إلى أوج المدنية التي نهض بهم إليها رجال ما كانوا يأتون هذه الأعمال السافلة ولو أتوها لحالت بينهم وبين الرقي كما حالت بيننا وبينه الآن بل فتحت لنا هوة تنتابنا فيها الأهوال نهوي بها ونحن نظن أنه بعدت خطوتنا في سبيل التقدم (لا بل عن سبيل التقدم).
وأما العامة فقلت بينهم الأمانة وكثرت فيهم الخيانة يطففون المكيال ويخسرون الميزان ويخلفون الميعاد وينجزون الايعاد لا يهم أحدهم أن يضر أخاه ضرراً عظيماً في سبيل نفعه الذاتي ولو كان يسيراً وربما ضرَّ نفسهُ ليضر أخاه إذا كان ما يصيب أخاه من الضر أعظم مما يصيبه والحاصل إن كل فرد منهم شاهر حسامه ينتظر فرصة من أخيه ليطيح هامه. مثلهم كمثل أعداء في سفينة كل منهم يجهد نفسه ليرقها فيغرق من فيها من أعدائه فخرقوها فأُغرقوا جميعاً. وأما الخاصة أي الذين ترمقهم أعين الضعفاء من بعد ينتظرون نتيجة أعمالهم فهم ساهون عن المصالح العامة لاهون بمصالحهم الخاصة كل منهم يفكر في تمكين سلطته وقوة نفوذه يسكب الشخصيات في قالب عمومي يموه على الناس بسفسطات خيالية زاعماً أنهم لا يعقلون والأخزى من ذلك أن كل واحد منا قد أحس بهذا العبء الثقيل وهو