المبين وحاشى النبي الكريم يسكت عن التصريح بأمر عظيم هو من الأهمية في الدرجة القصوى. وكيف يتأتى إلغاء حكم الرق في زمن ما وكثير من الأحكام الشرعية متوقفة عليه ومعلقة به ككفارة الإيمان وكفارة القتل خطأ.
وغاية ما يؤخذ من هذا الحديث الشريف هو حث الأمة على مداراة الجار ودفع الأذية عنه والإحسان إليه والحض على معاشرة النساء بالمعروف ولزم الرفق بالمماليك ومعاملتهم بالحسنى كما جاء في أحاديث كثيرة.
والأجانب لم يسعوا في تحقيق أمنيتهم في إلغاء الرق رحمة بالإنسانية وخدمة لها كما يدعون. لا. لا. فما ذلك إلا ألفاظ يتشدقون بها توصلاً لمأربهم، وزخارف من الأقوال يرومون بها قضاء لباناتهم فقد علمتنا الحوادث وفي جملتها الحرب الحاضرة أنهم يضمرون غير ما يظهرون ويبطنون غير ما يعلنون والله يعلم أنهم. . . .
عول الغربيون على اقتسام الممالك الإسلامية والقضاء على سلطة ملوكها وأمرائها وتمزيق شمل العالم الإسلامي وتبديد جامعته والحيلولة دون انتشار الدين الإسلامي ونفوذ نوره فاتخذوا توصلاً لأمانيهم أسباباً جديدة وطرقاً كثيرة من جملتها السعي في إلغاء الرق وتحرير الأرقاء وذلك لأنهم وجدوا بالعيان أن هؤلاء الأرقاء وهم يقدرون بمائة ألف سنوياً بعد الإتيان بهم إلى الديار الإسلامية يدخلون في الدين الإسلامي ويتخلقون بأخلاق المسلمين ثم لا يمضي عليهم مدة وجيزة إلا ويكون معظمهم قد اعتقوا ووقفوا في صفوف الأحرار وتناكحوا وأخذوا في التناسل فينموا بذلك عدد المسلمين ويكثر سوادهم ويقوى بهم ساعدهم ويشتد عضدهم وربما عاد فئة إلى قومهم وأخذوا في إنذارهم ودعوتهم إلى الدخول في دين الله وهذا بلا ريب مما كان يسيء الأجانب ولا يروق في أعينهم ويتميزون غيظاً منه.
إن إلغاء الرق من أعظم الأمور التي أخلت بنظام هيأتنا الاجتماعية وعوجت مستقيم أخلاقنا وأماطت عن الكثيرين لثام الحياء والشرف. كان الفتى منا إذا كان غير قادر على الاقتران بالحرائر لقلة ماله أو لسبب آخر فإنه يتخذ له سرية يتمتع بها ويحصن نفسه ويمنعها عن التطلع إلى مالا يرضاه ذوو المروءة ولا يمشي إلى هذه القاذورات التي قضت على حياة الأمة وحيائها. ولو كان باب الرق مفتوحاً لندر من يرمي بنفسه في هذه المهاوي السحيقة. التسري كان أعظم مساعد على تكثير العالم الإسلامي وتنميته. ذكر المؤرخون أنه