السور أن يرقوا إليهم ويقصدوا الباب. فلما وصل هو وأصحابه إلى السور رموا الحبال إلى أعلى السور فعلق فيه حبلان فصعد فيهما القعقاع ومذعور رضي الله عنهما وأثبتا بالشرف بقية الحبال التي جعلها خالد كهيئة السلاليم وكان ذلك المكان أحصن موضع بدمشق وأكثرها ماء.
فصعد المسلمون ثم انحدر خالد وأصحابه وترك بذلك المكان من يحميه وأمرهم بالتكبير فكبروا فأتاهم المسلمون إلى الباب وإلى الحبال وانتهى خالد إلى من يليه فقتلهم وقصد الباب فقتل البوابين وثار أهل المدينة لا يدرون ما الخبر وتشاغل أهل كل ناحية بمن يليهم وفتح خالد الباب وقتل كل من عنده من المشركين. هكذا كان قواد الجيوش الإسلامية يخاطرون بأنفسهم ويخوضون غمرات الموت أمام الجنود بكل جرأة وإقدام رغبة في الشهادة ومبادرة إلى جنان الخلود حتى كان شرب كأس المنون إذا تلظت الحرب أشهى إليهم من الماء العذب. وكيف لا تنبعث روح الشهامة والثبات في جيش تيقن أن الجنة تحت ظلال السيوف ورأى أمراءه وقواده إلى القتل يبادرون ولميدانه يتسابقون؟. . هنا تتساقط من عيون المؤمن درر المرجان وتكاد نفسه تذهب حسرة على ما وصل إليه المؤمنون بعد تلك الأيام النضرة والحياة الطيبة.
ولما رأى الروم ما صنع خالد بهم قصدوا أبا عبيدة وبذلوا له الصلح فقبل منهم وفتح له الباب وطلبوا منه أن يدخل ويمنعهم من جند خالد.
فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم ودخل خالد عنوة ولكن أبا عبيدة لم يعلم بذلك. فالتقى خالد والقواد في وسطها. هذا قتلاً ونهباً وهذا صلحاً وتسكيناً فاجروا ناحية خالد على الصلح مثلهم وأظهر أبو عبيدة إمارته وعزل خالد وكان صلحهم على المقاسمة وقسموا معهم للجنود التي تركوها لمحاصرة أهل فحل وللجنود التي أرسلوها لمنع هرقل من إعانة دمشق ولغيرهم ممن هو عون للمسلمين يومئذ. وكان ذلك في رجب سنة أربع عشرة. وأخبر أبو عبيدة عمر بالفتح. فكتب عمر إليه يأمره بإرسال جند العراق نحو العراق فأرسلهم وجعل هاشم بن عتبة أميراً عليهم. واستخلف في على دمشق يزيد بن أبي سفيان.
فتح فحل وتوابعها
ثم سار أبو عبيدة إلى فحل وبعث خالداً على المقدمة وجعل شرحبيل ابن حسنة على الناس