بالنسبة لزمانه ومحاربيه وأنه كان يقتبس من الأغيار ما يراه نافعاً ومفيداً فقد كان حف الخندق في غزوة الأحزاب من جملة ما أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم عن الفرس وحصل بذلك من الفوائد في هذه الحرب ما هو معروف وبالإجمال إن الدين الإسلامي إذا أحسن المتدينون به استعماله ودققوا فيما حوى من بدائع الآيات وروائع الحكم وجعلوه العمدة فيما يأتون ويذرون والوجهة فيما يعملون ويتركون وطبقوا أعمالهم على مقتضى أوامره واجتنبوا ما نهى عنه سهل عليهم أن يكونوا أمة راقية مستقلة.
هذا الدين الذي نهض بمعتنقيه في سالف الأزمنة حتى جعلهم في برهة وجيزة سادة الأرض وقادة الأمم هو هو الذي يقول عنه الأغيار والجهلاء أنه عقبة في سبيل الرقي وأنه لا تنطبق أحكامه مع حالة العصر الحاضر وأنه يجب علينا أن ننبذه ونستبدله بقوانين وضعية تلائم الأحوال الحاضرة كذب الأغيار وخسئ الجاهلون إن هذا الدين كان ولا يزال كافياً لحاجة متبعيه وكافلاً لرقيهم ونجاحهم وتفوقهم على سائر الأمم إذا أحسنو استعمال مافيه من الأوامر كما أسلفنا وعسى أن تكون الحوادث علمت المسلمين أنه لا نجاح لهم إلا برجوعهم إلى دينهم فليلتفتوا إلى إحكام الرابطة الدينية بين جميع المسلمين حسب ما أمرهم الله بكتابه ويستعدون لأعدائهم بمثل ما يستعدون هم لهم. أما أحكام الجامعة الإسلامية فهو من ألزم الأمور وهي الأساس الذي ترتكز عليه باقي الواجبات فإن المسلمين الذين يبلغ عددهم ما ينوف عن ثلاثمائة مليون من النفوس يدينون جميعاً بدين واحد بكتاب واحد وتجب عليهم طاعة خليفة واحد قوة عظيمة تميد لهيبتها الرواسي إذا عرف المسلمون كيف يستفيدون منها وها هي المثلات والعبر ترى كل يوم وتنذرنا بسوء المصير ودخانه المنقلب إذا بقينا متفرقين متخاذلين لا يهمنا من أمر المسلمين إلا ما يقع تحت بصرنا وإلا ما يكون له علاقة بذاتنا بل الواجب أن يكون المسلمون كالجسم الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء فالعثماني يهتم لمصاب الهندي والأفغاني يتألم لشكوى الإيراني وهكذا والكل يد واحدة على من ناوأهم بظل جلالة الخليفة الأعظم أيده الله وليس هذا بالأمر الصعب على زعماء المسلمين وقادتهم بعد ما رأوا أن الأغيار تعمل على استئصال ممالكهم وسحق نفوذهم ثم بعد إحكام هذه الرابطة يجب على المسلمين معرفة حقائق دينهم القويم ليكونوا على بينة مما يدعوهم إليه ولئلا تروج عليهم خرافات المبطلين وتمويهات المخرقين وما