في أكثر الأوقات حتى تحير أهل فارس مما فعل المسلمون بسواد العراق وخافوا من اضمحلال ملكهم وتلاشي أمرهم فطلبوا من ملكهم رستم أن يولي زمام الملك إلى يزدجرد كسرى فأجاب طلبهم. ودعي بابن كسرى فتوجوه وجعلوه ملكاً عليهم فانقادت له أهل فارس ونظم الجيوش وبعث بهم إلى كل ناحية وهيأ لقتال المسلمين وبلغ ذلك المثنى فكتب إلى عمر بن الخطاب يخبره بالأمر.
أخبار القادسية
فلما وصل كتاب المثنى إلى سيدنا عمر رضي الله عنه قال والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب ثم جمع وجوه الناس وأشرافهم وكتب إلى المثنى ومن معه يأمرهم بالخروج من بين العجم وأن يتفرقوا في المياه التي تليهم وينتظروا وصول المدد إليهم من المسلمين.
وخرج عمر بالناس إلى الحج وأرسل عماله على العرب أن يأمروا فرسان العرب وشجعانهم بالزحف على المشركين فبادرت العرب إلى إجابته ولحق بالمثنى من كان أقرب إلى العراق من المدينة وأما من كانت المدينة أقرب إليه من العراق أو على السواء قصدوا المدينة فوافوا عمر رضي الله عنه بها وقد عاد من الحج.
هكذا رجال الإسلام في كل زمن إذا دعاهم أمير المؤمنين إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل وافوه من جميع جوانب الأرض وأتوا مسرعين بأموالهم وأنفسهم وظهروا بقوة معنوية دينية تأتي على الأعداء فلا تبقي ولا تذر وتمر بهم مرور السيل الجارف فإذا هم هالكون وكم مرة في التاريخ حصل هذا الانفجار الإسلامي فبدد جموع الكفرة وأذل فراعنة الجبابرة وأدهش فلاسفة العالم فاحتارت الحكماء من حكمته وماجت الأرض من سطوته تأييداً لشريعة لم تزال ثابتة الدعائم مرعية معظمة ظاهرة على جميع أديان الأرض حتى تقوم الساعة ولو كره المشركون ومهما قاسى المسلمون من الضعف والهوان فلا بد من حفظ مقامهم وانتظار أمورهم وانتشار نفوذهم ويا ويل الأعداء إذا ثارت هذه العاطفة حولهم وأحاطت بهم من كل جانب فصيرتهم سكارى وما هم بسكارى ولكن أمة إسلامية اشتد الضغط عليها فنهضت بصوت ملأ أنحاء الأرض وفضاء الجو تنادي لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.