للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كاتبين) وقال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ومنهم موكلون بالجنة ونعيمها قال تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) ومنهم موكلون بالنار وعذابها قال تعالى: (عليها تسعة عشر) ومنهم حملة العرش قال تعالى: (الذين يحملون العرش) الآية ومنهم قائمون بمصالح العباد ومنافعهم وتصوير الأجنة في الأرحام كما وردت بذلك الأخبار ودلت عليه الآثار وكله دليل على عظيم قدرة الله عز وجل وسعة ملكه وأحاطة علمه فسبحان من خلق كل شيء فقدره تقديراً.

وإنما حجبت البشر عن رؤية الملائكة لأن النفوس البشرية لا تطيق النظر إليهم بأعيانهم وصفاتهم في صورهم الأصلية ولا تستطيع أخذ الكلام عنهم لاختلاف الجنس بل ربما صعقوا من هيبتهم وماتوا كما قال تعالى: (ولو نزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون) أي لماتوا وليس بعجيب عدم رؤية البشر لهم إذا كانوا على صورهم الأصلية لأنهم أجسام لطيفة ألا ترى إلى الهواء مع كونه جسماً مالئاً للفضاء فإنه لا يرى لكونه جسماً لطيفاً.

وأما رؤية الأنبياء لهم على صورتهم الأصلية فهي خصوصية خصوا بها لتلقي المسائل الدينية والأحكام الشرعية وفي مقدمة ابن خلدون جعل الله للأنبياء الانسلاخ من الحالة البشرية إلى الحالة الملكية في حالة الوحي فطرة فطرهم الله عليها وجبلة صورهم فيها ونزههم عن موانع البدن وعوائقه ما داموا ملابسين لها بما ركب من غرائزهم من العصمة والاستقامة فإذا انسلخوا عن بشريتهم وتلقوا في ذلك ما يتلقونه عاجوا على المدارك البشرية لحكمة التبليغ للعباد أه.

والدليل على تشكل الملائكة بأشكال مختلفة تمثل الملك لمريم بشراً سوياً ودخول بعضهم على بعض الأنبياء بصورة مجهولة وتمثل جبريل للرسول عليه السلام بصورة آدمي أخرج البخاري عن الحارث بن هشام أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي فقال أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول، وتمثل الملك رجلاً ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلاً بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيساً لمن يخاطبه وتارة كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي وأتاه مرة في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر حينما سأله عن الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>