عرفنا مما سبق أن العلماء قسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية، وعرفنا الفرق التي انحرفت وأنكرت توحيد الربوبية، وشذت بذلك عن البشرية، وعرفنا الفرق التي انحرفت في باب الأسماء والصفات، وهي فرق التعطيل: الجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة، وأشدها انحرافاً الجهمية، ثم المعتزلة، ثم الأشاعرة.
وسبق الكلام عن الجهمية والمعتزلة، والحديث هنا سيكون عن الفرقة الثالثة إن شاء الله، وهي فرقة الأشاعرة.
والأشاعرة هم الذين ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري رحمه الله، فإن أبا الحسن الأشعري كان على مذهب المعتزلة أربعين سنة، ثم تحول إلى مذهب وسط، ثم بعد ذلك هداه الله، فاعتقد معتقد أهل السنة والجماعة، وقرر ذلك في كتبه، لكن بقيت أشياء يسيرة مأخوذة عليه ذكرها العلماء.
ومن العجيب أن الأشاعرة ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري مع أنه قد رجع عن معتقده السابق، واستمر هؤلاء على ما كان عليه سابقاً، وأما هو فقد رجع عنه وقرر معتقد أهل السنة والجماعة.
ومذهب الأشاعرة مذهب واسع الانتشار في الأرض، فقد عم كثيراً من أرجائها، وقد اعتنق هذا المذهب كثير من أهل الكلام، ومن أهل التصوف، ومن المحدثين، ومن الفقهاء من فقهاء الحنابلة والشافعية والمالكية والأحناف، حتى وقع في هذا المذهب بعض المحدثين الكبار، كالحافظين ابن حجر والنووي رحمة الله عليهما على جلالة قدرهما ومنزلتهما العظيمة في علم الحديث، فقد سلكا في الصفات مسلك الأشاعرة، وذلك بسبب أنهما نشأا منذ الصغر على هذا المذهب، وظنا أنه هو الحق، وأن هذا هو التنزيه، والإنسان إذا لم يوفق من أول أمره في المسير على معتقد أهل السنة والجماعة فإنه ينشأ على ما نُشِّئ عليه.
وقد نجد في بعض الأوقات أن هذا المذهب انتشر فيها انتشاراً كثيراً، وفي مقابل ذلك ينحصر مذهب أهل السنة والجماعة، فيحصل اللبس، ويظن بعض الناس أن مذهب الأشاعرة هو مذهب أهل السنة، حتى إن الأشاعرة أنفسهم يسمون أنفسهم أهل السنة، ومن هنا حصل اللبس، حتى قال السفاريني رحمه الله في عقيدته: إن أهل السنة ثلاث طوائف: الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث، فجعل الجميع من أهل السنة.
وإن للأشاعرة شبهاً قوية قد يتأثر بها طالب العلم إذا كان في ابتداء الطلب ولم يكن عنده بصيرة، وقد تجرد الأئمة والعلماء للرد عليهم، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم في كثير من كتبهما، وأبانا المعتقد الحق، وهو معتقد أهل السنة والجماعة الذي تقرره النصوص الشرعية، وتشهد له العقول الصحيحة، والفطر المستقيمة.