للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجهمية الحلولية والاتحادية]

والجهمية: هم الذين ينتسبون إلى جهم بن صفوان، وهم طائفتان، ويجمع هاتين الطائفتين نفي الأسماء والصفات، ونفي العلو واستواء الرب سبحانه وتعالى على عرشه.

فالطائفة الأولى: المتقدمون، وهم عبادهم وصوفيتهم الذين يقولون بالحلول والاتحاد، فقد قالوا بحلول الرب في جميع الأشياء، أو باتحاده معها، أي أنه اتحد مع جميع الموجودات، فصار الموجود شيئاً واحداً، ومن هؤلاء الاتحادية رئيسهم ابن عربي الطائي الذي تدرج في القول بالحلول والاتحاد، وسلك مسلك المنافقين الزنادقة، فزعم في أول الأمر أن النبوة ختمت بمحمد عليه الصلاة والسلام، ولكن الولاية لم تختم، وإنما ختمت به، فهو يزعم أنه خاتم الأولياء، ويزعم أن الولاية أعظم درجة من النبوة، وأن الأنبياء مستفيدون من الولاية، وقال: إن الولاية هي أعلى درجة، ثم تليها النبوة، ثم تليها الرسالة، هكذا زعم! فهي عنده آخر المراتب، ولهذا يقول: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي فقوله: (مقام النبوة في برزخ)، يعني: في مكان متوسط، وقوله: (فويق الرسول ودون الولي)، أي: مقام النبوة أعلى من مقام الرسول، ولكنه دون مرتبة الولي.

فهذه الطائفة الأولى من الجهمية، وهم عبادهم وصوفيتهم الذين قالوا بحلول الرب في خلقه، أو باتحاده معهم، فهذا التوحيد -أعني توحيد الجهمية، وهو القول بنفي الأسماء والصفات- قد أوصل قوماً إلى القول بالحلول، وأوصل آخرين إلى القول بالاتحاد.

وتوحيدهم هذا له فروع، ومن فروعه القول بأن فرعون وقومه على الحق والصواب! وأن فرعون حينما ادعى الألوهية وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤] مصيب؛ لأن الرب حل في جميع الأشياء، أو لأنه اتحد بها.

ومن فروع توحيدهم هذا أن عباد الأصنام على الحق والصواب! لأنهم إنما عبدوا الله لا غيره، وكل من عبد معبوداً فهو مصيب، سواء أكان المعبود ناراً، أم صليباً، أم شجراً، أم شمساً، أم قمراً، أم آدمياً، أم جنياً، أم ملكاً، أو ما شاء أن يعبد، فالعابد مصيب؛ لأن الخالق والمخلوق واحد، أو لأن الرب حل في كل شيء، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

ومن فروع هذا التوحيد أنه لا فرق في التحريم بين الأم والأخت وبين الأجنبية، بل ليس هناك شيء حرام! ولا فرق في التحريم والتحليل بين الزنا والنكاح! ولا فرق في التحليل والتحريم بين الماء والخمر! لأن الكل من عين واحدة، بل هو العين الواحدة.

ومن فروع هذا التوحيد أن الأنبياء ضيقوا على الناس، أبعدوا عنهم المقصود؛ حيث فرقوا بين الزنا والنكاح، فالزنا حرموه، والنكاح أباحوه، وفرقوا بين الخمر والماء، فالخمر حرموه، والماء أباحوه، وفرقوا بين الأم والأخت وبين الأجنبية، فالأم والأخت حرموهما، والأجنبية أحلوها، فهم ضيقوا على الناس بمثل هذا وأبعدوا عنهم المقصود، والأمر عندهم وراء ذلك كله.

فهذه هي فروع توحيدهم هذا ولوازمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>