وهؤلاء الذين أشركوا في الربوبية لم يقولوا بتساوي هؤلاء الأرباب، فلم يقل أحد: إن هناك في العالم خالقين أو ثلاثة متساوين في الصفات والأفعال، بل هؤلاء الذين أشركوا في الربوبية يفضلون بعض هذه الأرباب على بعض، فالمانوية من المجوس لا يقولون بتساوي النور والظلمة، بل يقولون: إن النور هو الإله المحمود، وهو الإله القديم، وأما الظلمة فشريرة مذمومة، وهم متنازعون في قدمها، ففضلوا النور على الظلمة.
وكذلك المثلثة من النصارى لا يقولون: إن للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض، بل هم متناقضون في التثليث، فهم يقولون: باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد، وتارة يقولون: الأب عين الابن وعين روح القدس، والابن عين الأب وعين روح القدس، وهم متفقون على أن الأب هو الإله الأكبر، وأنه خالق السماوات والأرض، ولا يقولون بثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض.
وهذه الأرباب متناقضون فيها، تارة يفسرونها بالصفات، وتارة يفسرونها بالخواص، وهم يقولون: هو إله واحد وثلاثة أقانيم، وهذا من تناقضهم، وكثير منهم لا يعرفون ولا يفهمون التثليث، بسبب تناقضهم وغموض مفهوم التثليث عند هؤلاء النصارى.
فالمقصود أنهم لا يقولون: إن للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض، بل يقولون: الأب هو الإله الأكبر، وهو الأول، وهو خالق السماوات والأرض.
وكذلك المشركون الذين يزعمون أن في آلهتهم شيئاً من النفع والضر لا يقولون: إن آلهتهم تساوي الله، لا، بل يقولون: إن الله هو الخالق، ولكن آلهتهم لها شيء من النفع والضر.
وكذلك الصابئة الذين يقولون: إن بعض الكواكب لها تصرف في هذا الكون.
وكذلك القدرية لا يقولون: إن الإنسان مساو لله، بل يقولون: الله هو الخالق، لكن أفعال العباد خلقها العباد.