[أقسام الذنوب والمعاصي]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد سبق الكلام على التوحيد وما ينافيه ويضاده من الشرك والكفر والظلم والفسق والنفاق، وذكرنا أن الشرك يتنوع إلى أصغر وأكبر، وكذلك الكفر يتنوع إلى أصغر وأكبر، وكذلك الظلم، وكذلك الفسق، وكذلك النفاق.
والنفاق أصل اشتقاقه من جهة اللغة، كما قال علماء اللغة: إنما سمي المنافق منافقاً لإظهاره غير ما يضمر، تشبيهاً له بحجر اليربوع، ويقال له: النافقاء، ويقال له: القاصعاء، وذلك أنه يخرق الأرض حتى إذا كاد أن يبلغ ظاهر الأرض أرق التراب، فإذا رابه ريب دفع ذلك التراب برأسه فخرج، فظاهر جحره تراب وباطنه حفرة، وكذلك المنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر، هذا هو أصل الاشتقاق اللغوي للمنافق.
وبعد هذا ننتقل إلى البدع والمعاصي التي تنقص كمال التوحيد وكمال الإيمان، وتضعف توحيد العبد وإيمانه، والمعاصي تنقسم إلى قسمين: صغائر وكبائر.
فالصغائر يكفرها الله تعالى بفعل الفرائض واجتناب الكبائر، فإذا أدى الإنسان المسلم الفرائض التي فرضها الله عليه وانتهى عن الكبائر كفر الله عنه الصغائر بذلك فضلاً منه وإحساناً، قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:٣١].
وثبت في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، فإذا اجتنب العبد الكبائر كفر الله عنه الصغائر بالصلوات الخمس والجمعة ورمضان.
أما الكبائر فإنه لابد لها من توبة، ولا تغفر إلا بالتوبة.
والكبائر اختلف العلماء فيها، وأصح ما قيل في تعريف الكبيرة هو: أنها كل ذنب توعد عليه بالنار، أو ذكرت عليه اللعنة أو الغضب، -قال بعضهم: أو نفي عن صاحبه الإيمان في الدنيا- أو وجب فيه الحد في الدنيا، مثل أكل الربا، ومثل الزنا، ومثل السرقة، ومثل شرب الخمر، ومثل عقوق الوالدين، ومثل قطيعة الرحم والغيبة والنميمة، فهذه كلها كبائر، لا تغفر إلا بالتوبة، ولا تغفر بفعل الفرائض كالصغائر، وصاحبها تحت مشيئة الله، وليست كالشرك، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، فإذا مات صاحبها من غير توبة فهو تحت مشيئة الله، إن شاء سبحانه وتعالى غفر له بتوحيده وإيمانه وإسلامه وأدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء سبحانه تبارك وتعالى عذبه بقدر جريمته ومعصيته، ثم في النهاية يخرج من النار بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين.
فإذا اجتنب الإنسان الكبائر وأدى الفرائض فهو موعود بدخول الجنة من أول وهلة، وإذا فعل الكبائر ومات عليها من غير توبة فهو على خطر أن يعذب في قبره، وهو على خطر من الأهوال التي تصيبه في موقف القيامة، وهو على خطر من دخول النار، فهو تحت مشيئة الله، لكن الكبيرة لا تخرج الإنسان من ملة الإسلام، بل يكون ناقص الإيمان وضعيف الإيمان، ويقال فيه: مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته أو كبيرته.
والمسلم لا تخرجه المعصية من الملة ولا تحبط جميع أعماله، بل هو مسلم، ولا يخلد في النار، وهو تحت مشيئة الله، فإن شاء ربنا سبحانه غفر له وإن شاء عذبه، وفي النهاية مآله إلى الجنة والسلامة ولو مكث مدة طويلة، فإن بعض العصاة -عصاة الموحدين- يمكثون في النار مدة طويلة ثم يخرجون منها، فإذا خرج العصاة بشفاعة الشافعين وبرحمة أرحم الراحمين أطبقت النار على الكفرة، فلا يخرجون منها أبد الآباد، قال الله تعالى {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤصَدَةٌ} [الهمزة:٨] يعني: مطبقة مغلقة لا يخرجون منها، يعني: جميع أنواع الكفرة وجميع أصنافهم من اليهود والنصارى والمنافقين والوثنيين وغيرهم.