والطائفة الثانية من الجهمية هم الذين يقولون بنفي النقيضين عن الله، وسلبهما عنه، فيقولون: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايث له، ولا متصل به ولا منفصل عنه.
وهذا وصف المعدوم، بل هو وصف الممتنع، ولو أردت وصف المعدوم بأكثر من هذا لما استطعت، فعجيب أن يكون شيء لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايث له، ومعنى (ولا محايث له)، ليس داخله، فالمحايث: الداخل، وهو -أيضاً- لا متصل به ولا منفصل عنه، فماذا يكون هذا؟! هل يكون له وجود؟! فهؤلاء هم المتأخرون من الجهمية، وأولئك هم المتقدمون من عبادهم وصوفيتهم الذين يقولون بالحلول والاتحاد.
ويقول بهذا القول -أيضاً- بعض المتأخرين من الأشاعرة، كـ الرازي، بل هو إمام المتأخرين من الأشاعرة، وقد قرر هذا في كتبه المتعددة كأساس التقديس وغيره، وهو يقول: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايث له، فـ الرازي قال بقول الجهمية، لكنه أشعري، فهو أشعري جهمي يقول بنفي النقيضين عن الله، وكلتا الطائفتين قد قالت على الله قولاً عظيماً.