[الشرك في الكهانة]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن الحديث لا يزال موصولاً عن أمثلة الشرك وأنواع الشرك في العبادة التي تنافي التوحيد، وقد استعرضنا فيما سبق بعض الأنواع والأمثلة، ومن الأمثلة والأنواع للشرك في العبادة: الشرك في الكهانة.
والكهانة: هي ادعاء علم الغيب مع الاستناد إلى سبب، كالإخبار بما سيقع في الأرض، فالكهان هم الذين يخبرون عن المغيبات في المستقبل من الزمان، ويأخذون عن مسترق السمع من الشياطين.
والأصل في الكاهن أنه يأخذ عن مسترق السمع من الشياطين، والشيطان يلقي الكلمة في أذن الكاهن فيأخذها، فالكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وهو الذي يدعي علم الغيب عن طريق الاتصال بالشياطين والجن، فيتخذ له قريناً من الجن يأتيه ويخبره.
وقد كثر الكهان قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وتكلموا ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم كما هو معروف في كتب التاريخ وكتب السير.
والكهانة التي عن طريق الاتصال بالشياطين شرك بالله عز وجل من جهتين: من جهة تقرب الكاهن إلى الوسائط التي يستعين بها على العلوم الغيبية بما هو من خصائص الله، فيتقرب إلى الشيطان بما يحب من الشركيات، فإما أن يدعوه، وإما أن يذبح له، وإما أن يفعل غير ذلك.
والجهة الثانية: دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في علمه الذي اختص به، فالكاهن يدعي علم الغيب فيكون كافراً، قال الله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:٦٥]، وقال سبحانه: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:٢٦ - ٢٧]، فالكاهن الذي يتصل بالشياطين كافر من جهتين: من جهة تقربه إلى هذه الوسائط التي يستعين بها على دعوى علم الغيب، ومن جهة ادعائه لعلم الغيب.
والكاهن قد يسمى العراف، ولهذا قال البغوي رحمة الله: العراف هو الذي يدعي معرفة الأمور بالمقدمات، فيستدل بها على المسروق ومكان الضالة، وقيل: هو الكاهن, والكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: هو الذي يخبر عما في الضمير.
وقال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يدعي معرفة الأمور بهذه الطرق.
وعلى كل حال فإنه يجمع هؤلاء شيء واحد، وهو دعوى علم الغيب، فمن ادعى علم الغيب فهو كافر، لكن إن كان دعوى علم الغيب عن طريق الإخبار عن المغيبات في المستقبل سمي فاعل ذلك كاهناً، وإن كانت عن طريق عقد العقد والنفث فيها والاستعانة بالشياطين سمي فاعل ذلك ساحراً، وإن كانت عن طريق الاستدلال على معرفة المسروق ومكان الضالة سمي فاعل ذلك عرافاً, وإن كانت عن طريق النظر في النجوم والاستدلال بها على علم الغيب سمي فاعل ذلك منجماً، وإن كانت عن طريق الخط في التراب أو الضرب بالحصى سمي فاعل ذلك رمالاً.
وكل من ادعى علم الغيب فإنه يكون كافراً بأي طريق، سواء عن طريق العقد والنفث فيها، أو عن طريق الإخبار عن المغيبات في المستقبل، أو عن طريق ادعاء معرفة الأمور التي يستدل بها على المسروق ومكان الضالة، أو عن طريق الإخبار عما في الضمير، أو عن طريق النظر في النجوم، أو عن طريق الخط في التراب أو الرمل أو الضرب بالحصى، أو عن طريق فتح الكتاب وإحضار الجن، أو عن طريق القراءة في الكف أو القراءة في الفنجان، فإذا ادعى علم الغيب بأي طريقة من هذه الطرق فإنه يكون كافراً مشركاً؛ فإن دعوى علم الغيب كفر أكبر وشرك أكبر، نسأل الله السلامة والعافية.