اشتهر أمر المعتزلة في زمن المأمون عند ادعائهم خلق القرآن، وإلا فأصلهم ومبدؤهم في أوائل المائة الثانية، والمؤسس لمذهب المعتزلة هو واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وسموا معتزلة لأنهم اعتزلوا مجلس الحسن البصري، أو اعتزلوا الجماعة بعد موت الحسن البصري، فيقال: هؤلاء المعتزلة، فاعتزلوا مجلس الحسن البصري وجعلوا يقررون أصولهم.
ويقال: إن سبب ذلك أن سائلاً سأل الحسن البصري عن العاصي والفاسق، فأجابه بما دلت عليه النصوص، فاعتزل واصل وعمرو مجلس الحسن وقال واصل: أنا في سارية، وقال: أنا لا أقول هو مؤمن ولا أقول كافر، وجعل يقرر هذا، وكان واصل بن عطاء هو المؤسس للمذهب، وقد آتاه الله الفصاحة والبلاغة والقوة على التفرد بالأساليب، حتى إنه كان يلقي الخطبة العظيمة الطويلة الساعات الطوال لا يتلعثم فيها، ومن الطرائف أنه كان في لسانه لثغة، لكن آتاه الله فصاحة وبلاغة وقوة على التصرف في الألفاظ، فكان يخطب الخطبة الطويلة الساعات ويتجنب النطق بالراء حتى لا تظهر اللثغة.
ومن الطرائف أنه قال له قائل: قل: أمر الأمير بحفر البئر في قارعة الطريق.
وكل كلمة في الجملة فيها راء إلا حرف الجر (في)، فقال: أوعز القائد بقلب القليب في الجادة.
فأتى بعبارة في جملة تدل على المعنى وليس فيها راء، فهذا من الابتلاء والامتحان؛ لأن هذا الرجل أوتي الفصاحة والبلاغة ليفصح عن مراده، ويبين هذا المذهب الباطل، فهذا من الابتلاء، والمقصود أن هذا هو مبدؤهم، واشتهر أمرهم في زمن المأمون.
ثم جاء رجل يسمى أبا هذيل العلاف وشرح المذهب وفرع عليه، وصنف لهم كتابين وبناه على الأصول الخمسة عندهم.
ومن آراء العلاف أن حركات أهل الجنة والنار تفنى يوم القيامة، ثم يبقون جامدين كالحجارة! والعياذ بالله.
فـ الجهم يقول: النار والجنة تفنيان بما فيهما.
أما أبو هذيل العلاف فإنه يقول: تفنى الحركات، وقد ناقشه ابن القيم رحمه الله مناقشة دقيقة في قصيدته الكافية الشافية، يقول: أنت قلت: تفنى الحركات، وهذا يلزم منه معنى فاسداً، فإذا كان هناك رجل رفع لقمة ثم فنيت الحركات فهل يبقى على هذه الصورة؟! وما حال الذي يأخذ عنقوداً ويتناوله؟! هل تفنى حركاته؟! وما حال الذي يجامع أهله ثم تفنى الحركات، فهل يبقى كالحجارة؟! فـ ابن القيم ناقشه مناقشة من هذا القبيل، وهذا من آرائه الفاسدة، وهو شيخ المذهب الذي فرعه ووضحه وشرحه وبناه على الأصول الخمسة وصنف لهم كتابين.
فالمقصود أن الأمر بالمعروف -وهو الأصل الخامس- ستروا تحته هذا الشق من القول، وهو إلزام الناس باجتهاداتهم وآرائهم، ولو كانت باطلة.