قبل أن ننتقل إلى فرقة المعتزلة لابد من أن نبين أن جهم بن صفوان قبحه الله اشتهر بأربع عقائد: العقيدة الأولى: عقيدة نفي الأسماء والصفات، وورثها عنه المعطلة من المعتزلة وغيرهم بعد الجهمية.
العقيدة الثانية: عقيدة الإرجاء، وهو القول بأن الإيمان هو مجرد معرفة الرب بالقلب فقط، والكفر هو مجرد جهل الرب بالقلب، وأما الأعمال فليست من الإيمان، بل تكفي هذه المعرفة، فإذا عرف الإنسان ربه بقلبه فهو مؤمن، وإذا جهل ربه بقلبه فهو كافر، وورثها عنه المرجئة، ويلزم على هذه العقيدة أن يكون إبليس مؤمناً؛ لأنه عرف ربه، قال الله تعالى عنه:{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الحجر:٣٦].
ويلزم على ذلك أيضاً أن يكون فرعون مؤمناً؛ لأن فرعون عرف ربه بقلبه، قال الله تعالى عنه وعن ملئه:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل:١٤].
ويلزم على هذه العقيدة أن يكون اليهود مؤمنين؛ لأن الله تعالى قال عنهم:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}[البقرة:١٤٦] يعني: يعرفون الرسول عليه الصلاة والسلام.
وكذلك يلزم على هذه العقيدة أن يكون أبو طالب الذي دل الحديث الصحيح على أنه مات على الكفر مؤمناً؛ لأن أبا طالب يعرف صدق الرسول، ويعرف أن الدين حق، ولهذا يقول في قصيدته المشهورة: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً فيكون مؤمناً على مذهب الجهم، وقد ثبت في صحيح البخاري أن أبا طالب مات على الشرك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة جاءه وأمره بأن يتشهد شهادة الحق، وكان عنده عبد الله بن أمية وأبو جهل بن هشام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(يا عم! قل: (لا إله إلا الله) كلمة أحاج لك بها عند الله) لكن كان عنده قرينا السوء فلقناه الحجة الملعونة، وهي اتباع الأباطيل، فقالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! أي: أترغب عن ملة أبيك عبد المطلب؟! وهذا من أضرار قرناء السوء والعياذ بالله، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأعاد عليه أصحاب الحجة المعلونة قولهم: تترك ملة آبائك وأجدادك؟ فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب.
وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، ومات على الشرك، نسأل الله السلامة والعافية، لكنه عند الجهم مؤمن؛ لأنه عرف أن الإسلام حق ولو لم يدخل فيه، نسأل الله السلامة والعافية.
العقيدة الثالثة: عقيدة الجبر، وهو القول بأن الإنسان ليس له أفعال، وإنما أفعاله هي أفعال الله، وتنسب إليه على سبيل المجاز، فالصلاة والصيام، والسرقة وغيرها كلها أفعال لله، والعياذ بالله، فالأفعال أفعال الله، والإنسان وعاء لها فقط، وإنما تمر عليه مروراً كالماء الذي يصب في الكوب، فهم يقولون: بنوا آدم كأنهم كأس، والله كصاب للماء فيه، فالأفعال أفعاله، وهذه هي عقيدة الجبر، وأول من قال بها وابتدعها الجهم، وورثها عنه الجبرية.
العقيدة الرابعة: القول بفناء الجنة والنار، أي أن الجنة والنار تفنيان.