والنفاق قد خافه الصحابة رضوان الله عليهم على أنفسهم لكمال علمهم بالله، وكمال معرفتهم بربهم، وكمال تعظيمهم له، وكانوا يخشون من النفاق على أنفسهم، حتى قال عبد الله بن أبي مليكة رحمه الله تعالى -وهو تابعي جليل-: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه! ما منهم من يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل.
وهذا النفاق الذي خشيه الصحابة على أنفسهم هو النفاق العملي؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم يعلمون أنهم مؤمنون بالله ورسوله، ولا يخشون من الكفر، وإنما يخشون من النفاق أن يكون في الأعمال، ومثله قول عمر رضي الله عنه لـ حذيفة: هل تعلم فيَّ شيئاً من النفاق؟ وفي رواية: هل عدني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ قال: لا، ولا أزكي بعدك أحداً أبداً.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والمراد بالنفاق النفاق العملي.
والنفاق الأكبر هو الذي يخرج من الملة ويحبط الأعمال ولا يغفره الله إلا بالتوبة منه ويوجب الخلود في النار في دركها الأسفل.
فهذا النفاق داء عضال، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: قد يكون الرجل ممتلئاً منه وهو لا يشعر، فإنه أمر خفي، أي أنه خفي على الناس وقد يتلبس به الإنسان وهو لا يشعر، فيظن أنه مصلح وهو مفسد.