للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عقيدة ابن سينا]

السؤال

هل ابن سينا كافر أم أنه رجع عن الفلسفة في آخر حياته؟

الجواب

ابن سينا من الفلاسفة المتأخرين، ويسمونه المعلم الثالث، والمعلم الأول أرسطو، والمعلم الثاني الفارابي، وأرسطو هو أول من ابتدع القول بقدم العالم، وخالف الفلاسفة الذين قبله، وكان الفلاسفة والأساطين قبل أرسطو يعظمون الشرائع والإلهيات، ويثبتون وجود الله، وأن الله فوق العرش، وأن العالم حادث خلقه الله، ومنهم أفلاطون شيخ أرسطو، فلما جاء أرسطو ابتدع قولاً عظيماً، ابتدع القول بأن العالم قديم كقدم الله، لم يخلقه الله بمشيئته وقدرته، ولم يثبت وجوداً لله إلا من جهة كونه مبدأً عقلياً للكثرة، وعلة غائية لحركة الفلك فقط، يقول: مبدأ الكثرة هو الله، وهو الذي يحرك الفلك، ثم جاء الفارابي -وهو أول من وضع علم صروف المنطق- وتوسع في علم المنطق، وصاروا يسمونه المعلم الأول، ولم يثبت وجوداً لله ولا للملائكة، ولا للكتب، ولا للرسل، ولا لليوم الآخر، ولا للقدر، ثم جاء أبو علي بن سينا -ويسمونه المعلم الثالث- فحاول أن يجمع بين الفلسفة والإسلام، وأن يقرب الإسلام من الفلسفة، لكن في محاولته الشديدة لم يصل إلى ما وصلت إليه الجهمية الغالية في التجهم، فالجهمية الغالية في التجهم أحسن حالاً منه وأصح مذهباً، مع أن غالب الجهمية الغالية في التجهم لا يثبتون شيئاً من الأسماء والصفات، فلما جاء ابن سينا أثبت وجودين، فقال: هناك وجودان: وجود واجب ووجود ممكن، فالوجود الواجب هو وجود الله، والوجود الممكن هو وجود المخلوق، لكن الواجب ليس له اسم ولا صفة ولا علم ولا قدرة ولا سمع، ولا خلق الخلق بقدرته، بل وجوده مطلق في الذهن، وهذا من محاولته في التقريب إلى الإسلام.

أما الفارابي وأرسطو فما أثبتا أي شيء أبداً، لكن ابن سينا حاول التقريب، ولذلك أثبت الملائكة على أنهم أشكال نورانية، وليسوا ذواتاً تصعد وتنزل، بل هم أشكال نورانية، وأثبت الإسلام على أنه عبارة عن أمور معنوية، أو هو القوى العقلية التي تبعث الخير، والكتب هي فيض معنى يسير من العقل الفعال على رجل عبقري، والرسول رجل عبقري توافرت فيه قوة الإدراك والتخييل والتأثير، وهذه الصفات يمكن أن يحصل عليها الإنسان المران والخبرة والكسب، وليست هبة من الله، بل هناك أعلى منها، فالفلسفة عنده أعلى منها، وكثير من الفلاسفة لا يرضى بالنبوة، ويقول: النبوة منزلة ليست عالية، بل هي منزلة هابطة، وهناك ما هو أعلى منها، وهو الفلسفة، فالنبوة فلسفة العامة، والفلسفة نبوة خاصة، والنبوة الخاصة أعلى من العامة، ولا يثبتون اليوم الآخر ولا البعث ولا النشور ولا الجنة ولا النار، ولا الشرائع، فليس هناك حلال ولا حرام، والرسل أمثال مضروبة لتهذيب العوام، والرسول رجل عبقري يفهم الناس، فيقول: هناك جنة ونار، وبعث وحساب حتى يعيش الناس بسلام، ولا يعلو أحد على أحد، وإلا فإن الواقع أنه لا يوجد جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور! هذا مذهب ابن سينا.

ويسميه ابن القيم (إمام الملحدين) كما في إغاثة اللهفان في الجزء الثاني، وله كتاب (الإشارات)، كله إلحاد وزندقة، ونصير الدين الطوسي الذي تسبب في جلب التتار إلى بلاد المسلمين وسقوط بغداد أخذ كتاب (الإشارات) لـ ابن سينا وأراد أن يلغي القرآن، فحين لم يوافقه الناس قال: هذا قرآن الخواص -يعني كتاب ابن سينا - وهذا قرآن العوام! وحاول أن يختصر الصلوات الخمس إلى صلاتين، نسأل الله السلامة والعافية.

ويقول ابن سينا عن نفسه: أنا وأبي من دعوة الحاكم العبيدي، ودعوة الحاكم العبيدي رافضي خبيث، لا يؤمن بالله، ولا بملائكته، ولا بكتبه، ولا برسله، ولا باليوم الآخر، ولا بالقدر.

وبعض الناس يغتر فيقول: ابن سينا الفيلسوف الإسلامي! ويعتز به، وقد سميت باسمه مدارس ومؤلفات، صحيح أنه طبيب، وله كتاب القانون، فيه شيء من الطب وشيء من الصيدلة، لكن لا ينبغي أن يسمى باسم هذا الملحد، فهو ملحد ليس من الإسلام في شيء، لكن بعض الناس وبعض الأدباء وبعض المذيعين لا يعرفون حاله، فيعتزون به ويقولون: فلاسفة الإسلام الفارابي وابن سينا نعتز بهم! وهؤلاء ملاحدة زنادقة ليسوا من الإسلام في شيء.

أما كونه رجع عن الفلسفة فلا ندري به، لكن كتبه ومؤلفاته في إنكار البعث موجودة، حيث ويقول: إن البعث للأرواح.

وله كتاب (النجاة)، وإذا ثبت أنه رجع ووجد ذلك في كتاب وعرف تأريخه فلا بأس، وما يذكره بعض الناس في ذلك احتمالات تحتاج إلى دليل، فهذه مؤلفاته وهذا هو اعتقاده، نسأل الله السلامة والعافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>