[الشرك في السحر]
ومن أمثلة الشرك في العبادة وأنواعه: الشرك بالسحر، والسحر: عبارة عن عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب والأبدان، فتمرض وتقتل وتفرق بين المرء وزوجه، والساحر يأتي بعزائم ورقى وعقد يسحر بها بعض الناس فتؤثر فيه أو في قلبه بالمرض، أو بالقتل أحياناً، أو بالتفريق بين المتحابين كالزوجين أو الأخوين أو غيرهم.
وقد يكون السحر عن طريق الأدوية والتدخينات، وسقي أشياء تضر، والساحر يتصل بالشياطين ويتقرب إليهم، ويأخذ عنهم، وهناك اتفاق بين الساحر وبين الشياطين، فيفعل هذه العزائم وهذه الرقى والعقد، فيحصل التأثير في القلب بالمرض أو القتل أو التفريق بين الاثنين بإذن الله الكوني القدري، ولا يمكن أن يضر أحد أحداً إلا بإذن الله، قال الله: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:١٠٢] والمراد بالإذن هنا: الإذن الكوني القدري، وليس الشرعي.
والساحر قد يصنع أدوية وتدخينات وأشياء تضر في الأبدان فيبتز أموال الناس.
ويسمى فعله سحراً لأنه يشارك السحر في التأثير في الخفاء؛ لأن السحر في اللغة: عبارة عما خفي ولطف سببه، فالشيء الخفي اللطيف السبب يسمى سحراً، ومنه سمي السَّحَر سَحَراً؛ لأنه يقع خفياً آخر الليل، ومنه يسمى القول البليغ سِحْراً، كما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من البيان لسحراً).
ومعلوم أن الرجل البليغ يؤثر في السامعين في الخفاء، ومنه سميت النميمة سحراً؛ لتأثيرها في الخفاء، وفي الحديث: (أنبئكم ما العضة؟ قالوا: بلى، قال: هي النميمة، القالة بين الناس) قال بعض السلف: يفسد النمام في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة.
فالساحر يصنع عزائم ورقى وعقداً، ويستخدم الشياطين، وتؤثر هذه العزائم والرقى والعقد في القلوب والأبدان بالمرض أو القتل أو بالتفريق بين المتحابين.
وقد لا يتصل بالشياطين، فيكون فعله سحراً عن طريق الأدوية والتدخينات وسقي أشياء تضر.
واختلف العلماء في حكم الساحر هل يكفر أو لا يكفر؟ فذهب الجمهور -ومنهم الأئمة الثلاثة مالك وأحمد وأبو حنيفة - إلى أن الساحر يكفر، واستدلوا بقول الله تعالى في قصة الملكين: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:١٠٢] أي: فلا تكفر بتعلم السحر، قالوا: فتعلم السحر وتعليمه كفر.
قال أصحاب أحمد إلا أن يكون السحر بأدوية وتدخينات وسقي أشياء تضر، فلا يكفر.
وذهب الإمام الشافعي -رحمه الله- وجماعة إلى التفصيل، وقالوا: إذا تعلم السحر فإننا نقول له: صف لنا سحرك! فإن تضمن السحر ما يوجب الكفر كفر، وإن تضمن ما لا يوجب الكفر فإذا اعتقد إباحته كفر، فنقول له: هل تعتقد أنه حلال أو حرام؟ فإذا اعتقد إباحته كفر، وإن اعتقد تحريمه فلا يكفر، وإنما يكون مرتكباً لكبيرة ولأمر عظيم محرم.
إذاً: الجمهور لا يفصلون، بل يقولون: إن السحر كفر مطلقاً، وأما الشافعي فإنه يفصل، فيقول: لابد من أن نسأل الساحر؛ فإن تضمن سحره كفراً كفر، وإن لم يتضمن كفراً نسأله ونقول: هل تعتقد أنه حرام أم حلال؟ فإن اعتقد حله كفر، وإن اعتقد تحريمه فإنه لا يكفر، ولكنه ارتكب محرماً وكبيرة يستحق عليها التعزير.
والواقع أن الخلاف بين جمهور العلماء الذين يكفرون الساحر بإطلاق، وبين الشافعي الذي يفصل هو خلاف اصطلاحي.
فالجمهور يرون أن السحر لا يسمى سحراً إلا إذا كان عن طريق الاتصال بالشياطين، فهذا هو السحر الاصطلاحي.
وأما السحر الذي يكون عن طريق الأدوية والتدخينات، ولا يتصل صاحبه بالشياطين، فقالوا: هذا لا نسميه سحراً؛ لأنه يسمى سحراً من جهة اللغة، فهو سحر لغوي، فلذلك فلا يحتاج إلى تفصيل.
إذاً: الجمهور لا يسمون السحر سحراً، إلا السحر الاصطلاحي الذي يتصل صاحبه بالشياطين، وهذا لا يكون إلا كفراً، أما السحر الذي لا يتصل بالشياطين فهذا لا يسمونه سحراً؛ لأن تسميته سحراً تسمية لغوية، فلا يحتاج إلى تفصيل.
أما الشافعي وجماعة فإنهم أدخلوا سحر الأدوية والتدخينات وسقي الأشياء في مسمى السحر، فاحتاجوا إلى تفصيل، وعلى ذلك يكون الجمهور والشافعي على أن الساحر الذي يكون سحره عن طريق الاتصال بالشياطين كافر، وعلى هذا يكون السحر نوعين، النوع الأول: سحر يتصل صاحبه بالشياطين، وهذا كفر وردة، ولابد من أن يقع في عمل الساحر شرك.