للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاستدلال بآيات إنزال بعض المخلوقات ونقضه]

قال أهل السنة للمعتزلة: إن الله قد أخبر أن القرآن منزل، كما في قوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا} [الإسراء:١٠٦]، وقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} [الشعراء:١٩٣ - ١٩٤]، والمنزل غير مخلوق.

فاعترض المعتزلة على هذا فقالوا: إن الإخبار بأن القرآن منزل لا يمنع أن يكون مخلوقاً؛ لأننا نجد أن الله قد أخبر عن بعض المخلوقات بأنها منزلة، كما قال الله تعالى في الحديد: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد:٢٥]، فأخبر بأن الحديد منزل وهو مخلوق، وقال سبحانه: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر:٦]، فأخبر أن الأنعام منزلة وهي مخلوقة، وقال: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [المؤمنون:١٨]، فأخبر أن المطر منزل من السماء وهو مخلوق، فكذلك القرآن أخبر الله أنه منزل وهو مخلوق، فإنزال القرآن نظير إنزال الحديد وإنزال الأنعام وإنزال المطر من السماء.

وأجاب أهل السنة عن هذه الشبهة بالفرق، فقالوا: هناك فرق بين إنزال القرآن وإنزال الحديد والأنعام والمطر، فإن الله صرح بأن القرآن نزل من عنده، كما قال سبحانه: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر:١]، وقال سبحانه: {تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت:٢]، وقال عز وجل: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل:١٠٢]، وقال تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة:١٣]، وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [الأنعام:١١٤]، فهذه الآيات صريحة في أنه منزل من عند الله، أما إنزال الحديد والأنعام فليس فيه إخبار بأن الله أنزلهما من عنده، فلم يقل: وأنزلت الحديد مني أو من عندي، بل قال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} [الحديد:٢٥] فهو مطلق، وذلك أن الحديد إنما يؤخذ من المعادن التي تكون في الجبال وينزل، وكلما كان الحديد في مكان أعلى كان معدنه أجود، فيتنزل الحديد من الجبال، فهذا هو المراد بالإنزال، وكذلك الأنعام إنما تخلق بالتوالد، والتوالد يستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها في أرحام الإناث، ثم تنزل الأجنة من بطون الأمهات على وجه الأرض، هذا هو معنى الإنزال، وأما المطر فقد أخبر الله بأنه منزل من السحاب، فقال: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ:١٤] والمعصرات: هي السحاب، وفي الآية الأخرى: {أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [الواقعة:٦٩]، والمزن هو السحاب، فتبين بهذا الفرق بين إنزال المطر والأنعام والحديد وبين إنزال القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>