المذهب الخامس مذهب الكلابية: وهم أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب، ولقوة حجته وجداله سمي كلاباً، وهم يقولون: إن الكلام معنى قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت، والكلام لازم لذات الرب كلزوم العلم ولزوم الحياة والسمع والبصر، وهو أربعة معانٍ في نفسه: الأمر، والنهي، والخبر، والاستفهام.
أما الحروف والأصوات فليست من كلام الله، فليس كلام الله حرفاً ولا صوتاً، بل الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله دالة عليه، وأما الكلام فليس بحرف ولا صوت، بل هو معنى قائم بنفس الرب، لكن هذه الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله تدل عليه حكاها جبريل أو حكاها محمد، وهو أربعة معانٍ في نفسه: الأمر، والنهي، والخبر، والاستفهام.
وهذا مذهب باطل؛ لأنه لو كانت الحروف والأصوات حكاية له لوجب أن يماثل الحرف والصوت المعنى؛ لأن حكاية الشيء تكون مماثلة له، تقول: حكيت الحديث بعينه: إذا رويته بغير زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير، والحروف والأصوات مختلفة عن المعنى.
ثانياً: يلزم على قولهم: إن الحروف والأصوات حكاية لكلام الله أن صفات الله محكية، وهذا تجسيم.
ثالثاً: لو كانت الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله للزم من ذلك أن يكون الخلق قد أتوا بمثل كلام الله، فأين عجزهم؟! وحينئذٍ كيف يطلب تحديهم وقد تحدى الله البشر أن يأتوا بمثل هذا القرآن فقال:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:٨٨]؟! فإذا كانت الحروف والأصوات حكاية له فمعناه أنه بطل التحدي، فيكون الناس قد أتوا بمثل كلام الله.
وأيضاً نقول لهم: يلزمكم أن يحكى بحرف وصوت ما ليس بحرف ولا صوت، فكيف يحكى بحرف وصوت ما ليس بحرف وصوت؟!