للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مذهب السالمية]

المذهب الثالث: مذهب السالمية أتباع هشام بن سالم الجواليقي ومن تبعهم من أتباع الأئمة الأربعة وبعض أهل الحديث، وهؤلاء يقولون: إن كلام الله معانٍ وألفاظ وحروف وأصوات قائمة بذات الرب لم تزل ولا تزال، لكن الكلام لا يتعلق بقدرة الرب ومشيئته، فلا يتكلم بقدرته ومشيئته، فالكلام لازم لله أزلاً وأبداً لا يتعلق بالقدرة والمشيئة، بل الرب لم يزل ولا يزال يتكلم، وكلام الرب حروف وأصوات، لكن حروف وكلمات الرب لا يسبق بعضها بعضاً، بل هي مقترنة، فمثلاً: (بسم الله الرحمن الرحيم) لا يقولون: إن السين بعد الباء والميم بعد السين، بل يقولون: الحروف مقترنة دفعة واحدة يتكلم الرب سبحانه بها دفعة واحدة، فالباء مع السين مع الميم، لكن بالنسبة لسمع الإنسان يسمعها متعاقبة مرتبة، لكن الرب تكلم بها دفعة واحدة، ولهذا تسمى هذه الطائفة بالاقترانية، لأنهم يقولون: الحروف مقترنة ليست متعاقبة، ويسمون -أيضاً- بالسالمية.

وهذا المذهب مبني على القول بأن الكلام لابد من أن يقوم بالمتكلم، وبأن الرب ليس محلاً للحوادث، قالوا: الكلام لابد من أن يقوم به متكلم، فالله لم يزل ولا يزال يتكلم بحروف وأصوات وألفاظ ومعانٍ.

وكلام الله نوعان: بواسطة وبغير واسطة، بواسطة كما سمع الصحابة كلام الله وكما سمعه الرسول عليه الصلاة والسلام، وبغير واسطة كما سمع موسى كلام الله وكما سمعه نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، لكن قالوا: الرب لا يتكلم بقدرته ومشيئته، فالرب لم يزل يتكلم منذ الأزل، فقوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:١] ليس بقدرته ومشيئته، والحروف مقترنة، قالوا: لأن الكلام لابد له من متكلم، ولأن الله ليس محلاً للحوادث، فلو قلنا: إن الله الرب يتكلم إذا شاء فمعناه أنه حدث الكلام في داخله، والذي يحدث الكلام في داخله هو المخلوق، والمخلوق هو الذي يكون محلاً لالحوادث، أما الرب فليس محلاً للحوادث.

وكذلك قالوا: لو قلنا: إن الحروف متعاقبة للزم من ذلك أن يحدث الحرف في ذاته، ففراراً من ذلك قالوا: إن الحروف مقترنة، وهذا مذهب باطل ومذهب فاسد.

وهذه بدعة في باب كلام الرب، والكلام صفة كمال، وإذا لم يكن الرب متكلماً بقدرته ومشيئته فهذا تعطيل له من الكمال، ولأن الكلام الذي يعرفه العقل ويشهد به الشرع هو الكلام الذي يكون بقدرة المتكلم ومشيئته.

وقولهم: إن الحروف مقترنة -فالسين مع الميم مع الباء- وليست متعاقبة تخليط وهذيان مخالف للحس والفطرة، فلا تقبله فطرة، وتصوره كافٍ في بطلانه وفساده؛ لأن الكلمة إذا كانت مركبة من حرفين فالحرف الثاني لابد من أن يكون بعد الحرف الأول، ولا وجود للحروف أصلاً بدون التعاقب، وعلى ذلك تصل إلى الآذان فتسمعها وتميزها، فهذه بدعة في كلام الرب عند هؤلاء، وهي قولهم: إن الكلام لا يتعلق بمشيئته.

أما قولهم: إن الكلام ألفاظ ومعانٍ وحروف وأصوات هذا حق، لكن قولهم: لا يتعلق بقدرته ومشيئته، وقولهم: إن الحروف مقترنة، قول باطل.

<<  <  ج: ص:  >  >>